دراسات الحرب – أسرار العجز الأميركي عن توفير أسلحة لإسرائيل وأوكرانيا
دراسات الحرب - الولايات المتحدة - تسليح الحروب
أسرار العجز الأميركي عن توفير أسلحة لإسرائيل وأوكرانيا
استمرار الحربين ينذر بفقدان مخزونات واشنطن من بعض أنواع الذخيرة
صقر للدراسات – نشرت الاندبندنت مقال استراتيجيا يتعلق بدراسات الحرب ، ويتحدث عن مقدرة الولايات المتحدة الامريكية في التصنيع العسكري وادامة متطلبات حربي غزة واوكرانيا من الاسلحة والاعتدة الخاصة لاسيما ان التجهيز مؤخرا استهلك المخزون الاستراتيجي للولايات المتحدة ومع معوقات التصنيع وعدم تلبية الانتاج مع الوقت سيضع الولايات المتحدة امام مازق استراتيجي خصوصا امام خصمها الجيوسياسي الصين وماهي الامكانية لدعم حليفتها تايوان في حال اندلاع حرب بين البلدين , يمكنكم قراءة نص البحث ادناه
مع اقتراب دخول الحرب المشتعلة في غزة أسبوعها السابع من دون مؤشرات واضحة عن قرب انتهائها، تجاوز وزن الذخائر التي أسقطتها إسرائيل على القطاع 30 ألف طن، وهو ما يعادل حجم تدمير قنبلتين نوويتين من تلك التي أسقطها الأميركيون على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وفقاً للمركز الأورو متوسطي لحقوق الإنسان في جنيف.
ويشير ذلك إلى حجم الذخيرة والأسلحة التي تستنفد في الصراع، بينما تواصل وزارة الدفاع الأميركية بهدوء تقديم جزء كبير من مخزوناتها لإسرائيل، تلبية لطلبات تشمل مزيداً من الصواريخ الموجهة بالليزر لأسطول طائرات “أباتشي” الحربية، فضلاً عن قذائف 155 ملم، وأجهزة رؤية ليلية، وذخائر خارقة للتحصينات، ومركبات عسكرية جديدة، وصواريخ القبة الحديدية الاعتراضية والقنابل الذكية التي تنتجها شركة “بوينغ”، وذخائر دقيقة التوجيه وقنابل ذات قطر صغير، بحسب تقرير صادر عن “البنتاغون“.
وحتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شحنت هذه الأسلحة وأتيحت بشكل يومي من المخزونات العسكرية الأميركية في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقاً لوثيقة كشفت عنها “بلومبيرغ نيوز”.
وعلى سبيل المثال، جرى تسليم 36 ألف طلقة ذخيرة مدفع عيار 30 ملم، و1800 من الذخائر الخارقة للتحصينات “أم 141″، وما لا يقل عن 3500 جهاز رؤية ليلية، وأكثر من 2000 صاروخ هيلفاير موجه بالليزر من إنتاج شركة “لوكهيد مارتن” التي تستخدمها مروحيات “أباتشي”، إذ نقلت إسرائيل بعضها إلى قواتها بينما تسعى فرق الجيش الأميركي للحصول على الإمدادات من مخزوناتها في ألمانيا وكوريا الجنوبية.
ليس على المستوى
غير أن استمرار الحرب البرية في غزة وتواصل حرب أوكرانيا ضد روسيا ينذر بفقدان مخزونات القوات الأميركية من بعض أنواع الذخيرة والأسلحة، كما يشير ببساطة إلى أن الإنتاج الدفاعي لواشنطن ليس على مستوى مهمة إمداد حربين رئيستين، وتوفير الأسلحة اللازمة لتايوان لمواجهة الصين وتلبية مجموعة من الحاجات الدفاعية العالمية الأخرى، وهو أمر يعترف به محللون ومتخصصون دفاعيون أميركيون مثل براد بومان من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
بومان حذر بشكل صريح من أن الحرب البرية إذا استمرت في غزة لفترة طويلة من الزمن، فقد تحتاج إسرائيل إلى مزيد من الذخائر وقطع الغيار لأسطولها الكبير من مروحيات “أباتشي” الأميركية الصنع.
ويقول الكولونيل السابق في مشاة البحرية الأميركية مارك كانسيان، الذي يعمل حالياً مستشاراً أولاً في برنامج الأمن الدولي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن هناك بالفعل نقصاً في بعض الذخائر وأنظمة التسليح، مشيراً إلى أن أوكرانيا تطلق عدداً يتراوح بين 6000 إلى 8000 طلقة يومياً منذ أشهر، وهناك مخزون محدود من منصات إطلاق صواريخ المدفعية عالية الحركة “هيمارس” وذخائر المدفعية، والقذائف غير الموجهة من عيار 155 ملم.
كما أن الإنتاج بطيء من بعض أنواع الأسلحة مثل صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات (وفقاً لكانسيان) إذ منحت الولايات المتحدة أوكرانيا معظم مخزونها المتاح، ومن المحتمل أن تكون تايوان قد تلقت بعضاً.
عواقب إطالة الحربين
وكلما طال أمد الحرب في غزة، كلما احتاجت تل أبيب إلى مزيد من الإمدادات بعد تدمير بعض المعدات واستنفاد الذخائر، وقد تكون هناك حاجة بعد فترة إلى العناصر التي لم تكن مطلوبة في الأسابيع الأولى من الحرب، ولذلك يتوقع أن تتزايد قائمة الحاجات لكل من إسرائيل وأوكرانيا مع مرور الوقت.
وعلى سبيل المثال، فإن مخزون الذخائر الخارقة للتحصينات الخرسانية تحت الأرض التي تسمى رسمياً ذخائر الأهداف العميقة مثل قنبلة “جي بي يو-28″، ليس كبيراً لأنها ذخيرة متخصصة، إذ تشير تقارير دفاعية إلى أن الولايات المتحدة صنعت 160 قنبلة “جي بي يو-28″، وأن الإسرائيليين اشتروا 100 منها ووجدوها مفيدة في مهاجمة شبكة أنفاق “حماس” الممتدة تحت الأرض، وقد يطلبون مزيداً منها.
وفضلاً عن ذلك، تبرعت الولايات المتحدة أيضاً بمخزونها من 312 صاروخاً اعتراضياً من طراز “تامير”، كما أرسلت لإسرائيل 200 طائرة درون خارقة للدروع من طراز “سويتش بليد 600” من إنتاج شركة “إيروفيرونمنت”، وهو النوع نفسه الذي اشترته أوكرانيا من الشركة في وقت سابق في حين أن الجيش الأميركي ليس لديه أي مخزونات من طائرة “سويتش بليد”، وليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستطلب تصنيع هذه الطائرات المسيرة للتعويض عن مخزونها المفقود.
أما بالنسبة إلى أوكرانيا، فقد قدمت الولايات المتحدة أكثر من مليوني قذيفة عيار 155 ملم وأكثر من 800 ألف طلقة عيار 105 ملم إلى أوكرانيا، وفقاً لتقرير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية أخيراً. وبحسب كانسيان فإنه مع مرور الوقت، ستكون هناك مقايضات، إذ يتم تحويل بعض أنظمة التسليح الرئيسة من أوكرانيا إلى إسرائيل، وقد لا تكون بعض الأنظمة التي تحتاج إليها كييف لهجومها المضاد متاحة بالأعداد التي ترغب فيها، وهذا لن يؤدي إلى وقف عملياتها العسكرية، لكنه قد يصبح ملحوظاً على الخطوط الأمامية إذا استمرت الحرب في غزة لفترة طويلة.
تساؤلات مثيرة
ويثير هذا الوضع كثيراً من التساؤلات في الولايات المتحدة، إذ كيف لدولة عظمى ميزانيتها الدفاعية تتجاوز 800 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يعادل ما تنفقه الدول العشر التالية لها مجتمعة، أن يعاني جيشها من نقص في الذخيرة أو بعض أنظمة التسليح في الأزمات العسكرية العالمية.
ويبدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو وعضو مجلس شيكاغو للشؤون العالمية بول بوست اندهاشه لأن الولايات المتحدة كانت مضطرة من أجل مساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية في غزة، إلى تحويل قذائف كانت مخصصة أصلاً لمساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا التي كانت هي أيضاً تعاني من نقص في تلبية حاجاتها من الذخيرة.
لكن الحقيقة الواضحة هي أنه على رغم زيادة الإنتاج الدفاعي الأميركي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إلا أنه ببساطة لا يوجد ما يكفي من المخزون الحالي، وهو ما اعترف به وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الصيف الماضي بأن المستويات العالية من المدفعية التي تستخدمها كييف، شكلت ضغطاً على الإمدادات الدولية من الذخائر.
لعل هذا الأمر يفسر سبب اختيار إدارة بايدن تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية كبديل عن الذخائر التقليدية، مما أثار كثيراً من الجدل، بالنظر إلى أن استخدامها محظور من قبل عديد من البلدان.
إنفاق ضخم لكنه مؤسف
وعلى رغم الإنفاق الدفاعي الأميركي الهائل، وصفه الاقتصاديان ويليام نوردهاوس وجيمس توبين الحائزان جائزة نوبل في الاقتصاد بأنه مؤسف، لأنه لا يسهم بشكل مباشر في الإنتاجية الاقتصادية، والحقيقة المحزنة هي أن هناك حاجة إلى بعض الإنفاق على الدفاع رغم المبلغ الضخم الذي تنفقه الولايات المتحدة بالفعل، والذي يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف ما تنفقه الصين، أبرز خصم جيوسياسي للولايات المتحدة.
وعلى رغم الاتهامات الموجهة لشركات صناعة السلاح الأميركية من مقاولي الدفاع بالتربح من الحروب في أوكرانيا وغزة، إلا أن صناعة الدفاع الأميركية تواجه تحديات حقيقية في قدرتها على إنتاج الأسلحة في الوقت المناسب.
أين يذهب الإنفاق الدفاعي الأميركي؟
بينما يتساءل كثيرون عن العلاقة غير الواضحة بين الحجم الهائل لميزانية الدفاع وصناعة السلاح، فإن الإجابة المباشرة هي أن شراء الولايات المتحدة أسلحة جديدة يشكل جزءاً صغيراً من الإنفاق الدفاعي الأميركي، وذلك بسبب البيروقراطية المتغلغلة في وزارة الدفاع والفروع المختلفة للقوات المسلحة الأميركية، إذ يذهب ما يقرب من ربع ميزانية الدفاع السنوية في شكل رواتب ومزايا للأفراد، ويتم توجيه الجزء الأكبر من ميزانية الدفاع نحو العمليات والتدريب والصيانة، في حين لا تمثل مشتريات السلاح من شركات التصنيع الأميركية وكذلك البحث والتطوير سوى نحو ثلث الميزانية الدفاعية.
ويمكن استكمال ميزانية الدفاع الأساسية بأموال إضافية، مثل طلب الرئيس بايدن أكثر من 100 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل، فضلاً عن تلبية حاجات الأمن القومي الأميركي الأخرى، لكن كما أظهرت الدراما الأخيرة في مجلس النواب، فإن الحصول على مثل هذه الأموال التكميلية ليس بالأمر السهل ويخضع لمكائد سياسية لا علاقة لها بمتطلبات الدفاع، حيث كثيراً ما تتعارض المساعدات المقدمة لأوكرانيا مع الجناح اليميني في الحزب الجمهوري.
تحديات إنتاجية
ومن العوامل الأخرى المهمة لتفسير سبب عدم حصول الولايات المتحدة دائماً على الأموال المتاحة لشراء الأسلحة، أن الإنتاج لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان هناك منتجون جاهزون وقادرون على تلبية الطلب، فعلى رغم الاتهامات الموجهة لمقاولي الدفاع بالتربح من الحروب، تواجه صناعة الدفاع الأميركية تحديات حقيقية في قدرتها على إنتاج الأسلحة في الوقت المناسب، وذلك لأسباب تتراوح بين نقص العمال إلى تأخير العقود، وكما يقول غريغ هايز، الرئيس التنفيذي لشركة “رايثيون تكنولوجيز”، فإن السؤال الحقيقي هو هل يمكن للولايات المتحدة أن تصنع هذه الأسلحة والذخيرة؟
من الناحية الواقعية، انخفض إنتاج الصناعات الدفاعية الأميركية بشكل حاد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة عام 1991، ما سمح لواشنطن أن تستفيد من فوائد السلام في الأقل لبعض الوقت، والتركيز بشكل أكبر على عملية العولمة الاقتصادية والتكامل المالي، بدلاً من التهديد بالإبادة النووية والحرب الكبرى، وباستثناء مواجهات محدودة مع ما تصفهم الولايات المتحدة بالدول المارقة، تركت هذه السياسة صناعة الدفاع الأميركية في حالة ركود عندما تكون هناك تحديات جديدة.
وفي حين تعافى الإنتاج الدفاعي في نهاية المطاف خلال أوائل العقد الأول من القرن الـ21 مع بداية الحرب على الإرهاب، إلا أنه لم يفعل ذلك بطريقة تتفق مع حاجات الحروب الحديثة اليوم، ووفقاً للخبير الدفاعي مايكل برينيس، فإن مقاولي الدفاع استمروا في السعي إلى الحصول على العقود الباهظة الثمن بدلاً من شراء الذخائر الأقل كلفة.
وفي حين كشفت الولايات المتحدة أخيراً عن قاذفات شبحية حديثة، فإن الحقيقة هي أن ساحات القتال اليوم تتطلب أيضاً الذخائر التقليدية التي قد تبدو مألوفة لضابط المدفعية أو طيار القاذفة خلال الحروب منذ أوائل القرن الـ20 وحتى منتصفه.
كل هذا يسلط الضوء بشكل واضح على نداءات الولايات المتحدة المستمرة الموجهة إلى الدول الأوروبية مثل فرنسا، لزيادة إمداداتها من الأسلحة إلى أوكرانيا، لكن المشكلة تتمثل في أن الأوروبيين أيضاً غير قادرين على تلبية هذه الحاجات، الأمر الذي يكشف عن أن سلسلة الصراعات الحالية التي تجتاح العالم تضغط على قدرة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للتعاطي بشكل مناسب مع الصراعات، سواء من حيث الجهود الدبلوماسية اللازمة لحلها، أو عبر استخدام الموارد والمساعدة اللازمة لدعم الشركاء والحلفاء.
الاندبندنت طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية
صقر للدراسات ؛ لا نتبنى الطروحات الواردة في المقالات ولكن نعرضها للمعرفة
21-11-2023