رصد وتقييم المؤشراتشؤون عسكرية وامنيةمقالات استراتيجية
رئيس مركز صقر للدراسات: حرب أوكرانيا قد تطول لسنة أو أثنين، والدول العربية نحو سياسة متوازنة مع العالم
دولي- حوارات - منتدى الراي
رئيس مركز صقر للدراسات: حرب أوكرانيا قد تطول لسنة أو أثنين، والدول العربية نحو سياسة متوازنة مع العالم
حوارات خاصة: مجلة جي فوكس الدولية
صاحب الامتياز في حوارنا هذا، هو – الخبير والمحلل الاستراتيجي، الدكتور مهند العزاوي- وهو عسكري برتبة عميد ركن في القوات الخاصة العراقية سابقاً، وحالياً، يشغل منصب رئيس مركز صقر للدراسات، لديه مؤلفات عديدة أبرزها كتاب فن ومهارات التحليل السياسي، مئات البحوث والمقالات المتخصصة بالشؤون العسكرية والاستراتيجية.
عناوين رئيسية من الحوار:
ما يجري في أوكرانيا ” حرب عالمية ثالثة” قد تطول لسنة أو أثنين
بسبب انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا.. لا توجد قوة قادرة على ردع أي دولة كبيرة في الشرق الأوسط اذا ارادت التقدم نحو دولة أخرى
إنجرار الدول العربية للانضمام لمعسكر عالمي على حساب آخر، قد يقود لاشعال حرب عالمية، وهناك مؤشرات على تبني الدول العربية لسياسة متوازنة مع القوى العالمية لتجنب أزمات جديدة في المنطقة
جي فوكس الدولية: في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، واتساع ساحاتها، بمشاركة جماعات مسلحة ومتطوعين للقتال، إلى جانب القوات الروسية والاوكرانية، على حد سواء. كيف تنظرون إلى هذا المشهد المشحون بأجواء الحرب والتصعيد من كل الأطراف؟
د. مهند العزاوي: “بغض النظر عن المسميات الإعلامية لما يجري على الأراضي الأوكرانية، لكن يمكننا تسمية ما يجري هناك، حرب عالمية ثالثة، إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الاصطفاف الأمريكي والأوربي، الذي يرتقي إلى وجود حالة تحالف مشابه لتحالف الحرب على العراق بمشاركة من 35 دولة، عام 2003 “.
جي فوكس: صحيح ان بعض المراقبين والمحللين يصفون ما يجري بأنه حرب عالمية، لكن في نفس الوقت، كل الأطراف المنخرطة في هذا الصراع، يحذرون من الوصول إلى نقطة اللاعودة باندلاع حرب عالمية، ويستبعدون في تصريحاتهم وقوعها، كيف تفسرون ذلك؟
د. مهند العزاوي: ” صحيح، وتفسير ذلك أنها حرب عالمية بدون صدام عسكري مباشر بين روسيا والناتو، عبر مد جسور لتزويد أوكرانيا بالسلاح، وموجة عارمة من التصريحات والحروب الإعلامية، بالتالي نحن أمام مشهد رقعة حرب قابلة للتمدد، خاصة إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان روسيا تجد في أوكرانيا أصولها التقليدية، نظراً للعمق السلافي بين البلدين تاريخيا، والديمغرافية الروسية التي تشكل 40 – 45 % من أوكرانيا، فضلاً عن التلاحق الصناعي والزراعي والتجاري فيما بينهم.
جي فوكس: التصريحات الرسمية والتقارير العسكرية في روسيا، وإلى وقت قريب، رفضت تسمية ما تقوم به ضد أوكرانيا ” بالحرب والاحتلال” وأكتفت بتسمية ” عمليات عسكرية”، كيف نفهم ذلك؟
د. مهند العزاوي: لا أحد يبرر احتلال روسيا لأوكرانيا، لكن رد فعل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دفع ببوتين لاستخدام القوة. دعونا نفسر الأمر، ان وضع روسيا لقوات قوامها 140 ألف مقاتل على حدودها مع أوكرانيا، يسمى بـ (حافة الحرب)، قبل وقوع الحرب، و (حافة الحرب) هو سلاح ذو حدين، لا يمكن العودة عن استخدامه ما لم يتم تحقيق الهدف السياسي من وراء هذا السلاح، ولما فشل بوتين في تحقيق هدفه السياسي، ذهب إلى خيار استخدام القوة.
جي فوكس: ماهي رهانات هذه الحرب برأيكم؟
د. العزاوي: هناك رهانين، الأول هو رهان أمريكي على أضعاف روسيا عبر مستنقع أوكرانيا، لدرجة ان تكون موسكو غير قادرة بالاعتداء على جيرانها مستقبلاً، وذلك معلن من قبل الأوساط الرسمية الأمريكية. ولكن في نفس الوقت، تبحث فيه عن منافع اقتصادية، تتمثل في بيعها للنفط والقمح الأمريكيين بأسعار مرتفعة، وفي جانب آخر منه، هو فرصة لواشنطن تعزز موقعها كحليف رئيسي للدول الأوربية الغربية ضمن إطار الناتو.
أما الرهان الثاني، هو رهاناً روسياً على تحقيق انتصار إستراتيجي، وحرمان أوكرانيا من شريطها البحري بالسيطرة عليه، الأمر الذي سيضع الحكومة الأوكرانية في وضع لا تحسد عليه، أي أنها ستكون مُجبرة على المقاومة عسكرياً في حرب قد تطول لسنة أو أثنين، في ظل غياب مبادرات سياسية من جانب الولايات المتحدة والناتو لأنهاء الحرب. ويعود السبب في ذلك الرهان إلى شعور الروس، الذي لطالما صرحوا به في أكثر من مناسبة بأن دول الناتو لم تلتزم بالاتفاقيات المبرمة مسبقاً معهم “اتفاقيات مينسك”، وعدم التزامهم بمسألة تمدد الناتو على حدود روسيا شرقاً، وهي مسألة تمس موسكو في أمنها القومي، ويسيطر هذا الشعور على الرئيس بوتين، إذ أنه يجد في سياسته الخارجية هوية أساسية لروسيا الإتحادية الجديدة وريثة الإتحاد السوفيتي.
جي فوكس: ما هي الاحداث التي إذا وقعت تقود لحرب أبعد من حدود أوكرانيا، برأيكم؟
د. العزاوي: أول مؤشر في سيناريو حرب عالمية، هو انضمام فنلندا للناتو، إذا ما قررت المضي قدماً في ذلك، فسنكون أمام حرب عالمية مدمرة، فحتى الان مؤشرات مرتفعة ومتصاعدة واحتمالات امتداد الحرب لمولدوفا واردة، ولا استبعد تطورها في ظل انتشار قطعات بحرية في بحر إيجة والبحر المتوسط من الطرفين، خاصة مع تزايد التصريحات الرسمية بالإشارة إلى (إمكانية استخدام القدرة النووية) من كلا الجانبين. وفي فرنسا أيضاً، فأن فوز ماكرون في ولاية رئاسية ثانية يدفع به نحو ممارسة دور أكبر في ظل وتيرة حرب متصاعدة في أوربا، وهي حرب تهدد تماسك أوربا بسبب وجود أزمات اقتصادية متفاقمة، وعدم رضى شعبي للحرب، والأصعب من ذلك، هو تداعيات العقوبات المفروضة ووقف حركات النقل والتجارة عبر البحر الأسود.
جي فوكس: هل تعتقدون ان انشغال العالم بالحرب الأوكرانية سيعطي مزيد من فرص التصعيد من جانب قوى إقليمية في الشرق الأوسط، لتصفية حساباتها وفرض نفوذها في ملفات محددة، أم أن هناك مصلحة مشتركة لدى جميع الأطراف في إيجاد حالة من الاستقرار الأمني على مستوى الإقليم، لإنتاج وتصدير الطاقة في ظل حاجة متزايدة عليها عالمياً؟
من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث في المستقبل في ظل فوضى بسبب تداعيات الحرب على أوكرانيا، لكن من المؤكد عدم وجود مؤشرات وأدوات قادرة على ردع أي دولة إقليمية تحاول التقدم نحو دولة أخرى في المنطقة، والذي يزيد من صعوبة الأمر هو تمدد قوى إقليمية، على سبيل المثال، تركيا أصبحت قوة عسكرية متمددة في مناطق متعددة في القوقاز، ليبيا، شمال العراق، سوريا. وكذلك إيران، تمتلك نفوذ وحلفاء لها في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، أفغانستان وباكستان. وهذه الفوضى تم ايجادها بعد حرب العراق عام 2003، ومنذ ذلك الوقت، لا توجد مخارج في ظل صراع القوى الدولية.
جي فوكس: أين دور الولايات المتحدة من ذلك؟
أصبحت دول غرب اسيا، وشمال وشرق أفريقيا، مناطق ملتهبة للغاية، بسبب صراع الأفكار والنظريات والسياسات المتضادة، فهناك من يرغب بالفوضى لفرض هيمنة ونفوذ في تلك المناطق، وهناك من يبحث عن الاستقرار، ولكن لا نجد الى الان مسار سياسي يعمل على تحقيق استقرار حقيقي ضمن سياق السياسات والعمل الاممي، خاصة في ظل شلل مؤسسات دولية وعدم قدرتها على تحقيق نتائج، على سبيل المثال، الأمم المتحدة أصبحت مشلولة ولا تأثير لها.
وتلك مناطق تتأثر بشكل مباشر بالسياسات الامريكية، وفي جانب منها يعتمد على ما ترسمه واشنطن من سياسات، والتي بطبيعتها متأثرة بجماعات الضغط ومراكز الدراسات والبحوث في الولايات المتحدة، وهي لا تتماشى مع بيئة وسياق العمل في منطقة الشرق الأوسط. وزادت ضبابية المشهد مع تراجع الدور الأمريكي، حيث أصبحت قواتها عرضة لهجمات الجماعات المسلحة، ولكنها لم تعد قادرة على فعل شيء، وهذا بحد ذاته مؤشر على تراجع دورها.
جي فوكس: أين تقف الدول العربية والخليجية، المنتجة للطاقة، من مشهد الصراع الدولي الدائر بسبب تداعيات الحرب على أوكرانيا، خاصة مع استمرار تصاعد مؤشرات على بروز معسكرات واقطاب عالمية متضادة في الاتجاهات والمصالح؟
د. العزاوي: الدول العربية والخليجية عانت من تنصل الشركاء والحلفاء من مد يد المساعدة الحقيقية في سبيل جلب الامن والاستقرار للمنطقة، وحماية الممرات البحرية للتجارة والعمل، وعلى مدار 15 عاماً تمددت الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، فعلي سبيل المثال، المملكة العربية السعودية، وهي أكبر منتج للنفط في العالم، ولها تحالفات واسعة مع الدول الكبرى، لكنها تعرضت لهجمات وقصف بالصواريخ، ولم يقدم حلفاءها شيء يذكر لمساعدتها. وبالتالي تلك السياسات الدولية، دفعت بالدول العربية لممارسة سياسة التوازن أو تقدير معادلة التوازن كي تتمكن من الحفاظ على الدولة، وتجنب أزمات جديدة تعصف بالمنطقة.
وشهدنا بالفعل ذهاب الدول العربية على أشكال وطرق مختلفة إلى صياغة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، مثل: الولايات المتحدة، الدول الغربية والناتو، روسيا، الصين. وأعتقد أن هذا النوع من العلاقة إيجابي في هذا الوقت. لأن الاصطفاف مع معسكر على حساب آخر، لا يخدم مصالح الدول العربية، بل وحتى لا يخدم أي طرف من الأطراف، لأنه سيساهم وبشكل كبير لاندلاع حرب عالمية، فنحن نتحدث عن مناطق شديدة الأهمية لأنها واحة غنية بالنفط والغاز، ويرى العالم حالياً في ظل ظروف الحرب على أوكرانيا، ماذا تعني الطاقة ومدى أهميتها في حياتنا.
جي فوكس: برأيكم، ماهي مؤشرات السياسة المتوازنة تلك؟
د. العزاوي: كما ذكرت سابقاً، أن الحرب خيار لا يتمناه أي طرف، وشاهدنا حجم الدمار الحاصل في أوكرانيا، وقبلها ما خلفته الحروب في العراق وسوريا واليمن، وبالتالي فأن الحكمة تقتضي اتخاذ العمل السياسي كأساس في إدارة الأزمات، ولا استبعد ان تكون هناك علاقات قائمة على هذا الأساس من دول الشرق الأوسط مع بعضها من جهة، ومع الأطراف العالمية الكبرى من جهة أخرى.
ويمكن اعتبار التحركات الأخيرة على أنها مؤشرات على احتمال وجود سياسة متوازنة، وهي تقارب إيراني-سعودي، اماراتي – تركي – إيراني، وكذلك تقارب بين الدول العربية، ومثال على ذلك، هو المشروع السياسي الذي ترعاه الدول الخليجية لأنهاء الحرب في اليمن.
23-6-2022