دراسات الحربمقالات استراتيجية

القضايا البحرية في المعادلة الجيواستراتيجية للشرق الاوسط

 دولي - جيو استراتيجي 

القضايا البحرية في المعادلة الجيواستراتيجية للشرق الاوسط

د.رومولوس هالدان – أميرال سابق في البحرية الرومانية

د.رومولوس هالدان – أميرال سابق في البحرية الرومانية

يضم الشرق الأوسط 17 دولة هم (البحرين، قبرص، مصر، إيران، العراق، إسرائيل، الأردن، الكويت، لبنان، عُمان، فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، سوريا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، اليمن)، من بينها 14 دولة عربية، ودول ذات غالبية مُسلمة مثل تركيا وايران، إسرائيل (يهودية) ، قبرص ( ذات غالبية مسيحية ارثوذكسية). وبالنسبة لمصر، تناول البحث دراسة الأراضي الواقعة وراء قناة وخليج السويس (أي شبه جزيرة سيناء)، أما تركيا، حسبما أرى، الأناضول، وعمليًا، هذا فقط في الجزء الأوسط والشرقي.

ان الاستنتاج الأول، يأتي من حقيقة أن تلك المنطقة مأهولة بأكثر من 800 مليون مسلم، أي ما يقرب من نصف سكان العالم من المسلمين، وغالبية سكان الشرق الأوسط هم من المسلمين (حوالي 90٪). ومن الواضح أن جميع مراكز قوة الإسلام موجودة في هذه المنطقة، الأماكن المقدسة، المؤسسات الرئيسية للدين الإسلامي، مراكز القوة الثقافية والسياسية الإسلامية، ممثلة في تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، كلها موجودة في الشرق الأوسط، وبالتالي فهي مركز الموارد الرئيسية والقوة الاقتصادية للمسلمين. بالإضافة الى ان القوة العسكرية للمسلمين تتركز إلى حد كبير في هذه المنطقة أيضاً، رغم أن جزءًا مهمًا من القوة العسكرية للإسلام موجود خارج الشرق الأوسط – في شمال إفريقيا، وخاصة مصر، وفي باكستان أيضاً. عملياً، يمكن القول ان الإسلام بكل أشكاله ومنظماته الكبرى متمركز في الشرق الأوسط، لذلك فالاستنتاج الثاني، أن الشرق الأوسط هو مركز القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والعسكرية للعالم الإسلامي.

عالمياً، توجد تسع نقاط بحرية حرجة، من بينها أربع نقاط موجودة في الشرق الأوسط (مضيق البوسفور والدردنيل – مضيق هرمز- مضيق باب المندب – قناة السويس)، ومثلما توجد طرق بحرية مهمة للغاية في تلك المنطقة، فإنها تعاني من نقاط ضعف أيضاً، ومحفوفة بالعديد من المخاطر.

 

(شكل رقم 1) النقاط الحرجة الاربعة في الشرق الأوسط

ومن أبرز التهديدات التي يمكن ان تتعرض لها تلك النقاط الحرجة، ان يتم اغلاقها من قبل دول في المنطقة، وخاصة لأغراض دفاعية، أو تعرضها لحصار تقوم به دول أو كيانات أخرى مثل (هياكل عسكرية متعددة الجنسيات، جماعات إرهابية، منظمات سياسية، وغيرها)، أو في حالة حدوث كوارث طبيعية أو غير طوعية يسببها البشر مثل حطام السفن وعمليات الانزال والغرق العرضي للسفن، وغيرها). وبالتالي فإن الاستنتاج الثالث هو ان الشرق الأوسط منطقة توجد فيها أربع نقاط حرجة من أصل تسع نقاط في العالم.

يختلف مستوى معيشة السكان في المنطقة اختلافًا كبيرًا، فعلى سبيل المثال، تظهر البيانات المتعلقة بسوريا وإيران والكويت تناقضاً كبيراً في مستوى المعيشة. وبحسب تقارير البنك الدولي، فمن أدنى مستوى لدخل الفرد البالغ 293 دولارًا أمريكيًا في فلسطين، يصل إلى 59.330 دولارًا أمريكيًا في قطر. يوضح الرسم البياني أدناه، أنه في الشرق الأوسط يبلغ متوسط دخل الفرد 13.260 دولارًا أمريكيًا، بينما يبلغ المتوسط العالمي 10.150 دولارًا أمريكيًا، وفي الاتحاد الأوروبي يبلغ 32.058 دولارًا أمريكيًا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف.

ومن المفارقات، أنه على الرغم من وجود العديد من البلدان في المنطقة يمكنها بسهولة تجاوز متوسط مستوى الدخل، مثل (مصر- العراق – لبنان – سوريا)، إلا انها تميزت بكثرة النزاعات المسلحة والازمات التي أضعفت أو دمرت اقتصادها.

على الطرف المقابل، توجد دول غنية مثل (إسرائيل، قبرص، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين) ودول متقاربة مثل (تركيا- عُمان). أما في اليمن وفلسطين فالمستوى المعيشي سيئ للغاية، حيث لا يتجاوز دخل الفرد عدة مئات من الدولارات. وبالتالي فإن الاستنتاج الرابع، ان القوة الاقتصادية لبلدان الشرق الأوسط تقع في المنطقة الوسطى من الاقتصاد العالمي، وأنها منطقة تتميز بفجوات كبيرة بين بلدان فاحشة الثراء، وبلدان أخرى ذات مستوى اقتصادي ومعيشي متوسط وضعيف.

(الشكل رقم 2) مستوى دخل الفرد في الشرق الاوسط، مع مراعاة عدم وجود بيانات عن سوريا – ايران – الكويت

وفيما يتعلق بالتطور الاقتصادي المتوازن في الدول، يمكن وصفه بالضعيف، بصرف النظر عن موارد النفط والغاز الطبيعي، وفي المقابل نجد اقتصادات قوية في إسرائيل – قبرص – تركيا – وإيران. ينتج الشرق الأوسط أكثر من 50% من النفط في العالم، أي ان البضائع الرئيسية التي يتم نقلها بحراً من الشرق الأوسط هي النفط والغاز، ومن جهة نظر أمن الشحن البحري، فإن توفير الامن لناقلات النفط والغاز يعد مسألة جوهرية، خاصة في النقاط الحرجة والتي لا تزال عرضة للعديد من التهديدات، مثل القرصنة البحرية، على الرغم من انخفاض نشاطها، ولكن لا يزال التهديد قائم.

 فضلاً عن تهديدات أخرى، يتطلب لمعالجتها أمنياً، وجود قوات بحرية كبيرة ومجهزة بشكل جيد وعلى درجة عالية من الكفاءة. ولكن نجد أن دول الشرق الأوسط مثل (تركيا – قبرص – إسرائيل – مصر)، تمتلك 1464 سفينة عسكرية من أصل 44171 سفينة عسكرية في العالم ، أي 3.35٪ فقط. وكذلك عدم امتلاكها لحاملات طائرات ومدمرات عسكرية بحرية، رغم ان هناك زيادة في تعزيز القوة البحرية في الشرق الأوسط، ولكن مع ذلك لا وجود لقوة بحرية كبيرة بحجم الأهمية التي تشكلها المنطقة للعالم.

وبناءً على ذلك، فالاستنتاج الخامس، ان ضعف قدرة القوات البحرية لبلدان الشرق الأوسط على تحمل مسؤولية ضمان الأمن البحري بشكل كامل في المنطقة، وبالتالي يجعلها بحاجة لوجود قوات بحرية أخرى، أكثر قوة وكفاءة لضمان أمن وسلامة ناقلات النفط والغاز، وتعزيز الامن البحري للمنطقة.

 

(الشكل رقم 3) نسبة عدد السفن البحرية في الشرق الاوسط مقارنة بالعدد الاجمالي في جميع انحاء العالم

معظم المنظمات الإرهابية تعود بجذورها إلى الشرق الأوسط، وهي نتاج للبيئة الإسلامية بتنوعاتها السياسية والدينية، فهناك الكثير من المنظمات والجمعيات، وما إلى ذلك، تتشارك في تفاعلات إسلامية، وتجمعهم علاقة معقدة للغاية بالسياسة والدين. والمثير في هذا الخصوص، ان كثير من الارهابين من الدرجة الثالثة لا يعرفون لصالح من يعملون وماذا يريدون بالضبط، سوى أنهم يصرخون ” الله أكبر” ثم يقومون بهجماتهم الدموية، ولكن في المقابل، يوجد أولئك الذين يستخدمونهم، ولديهم أهدافاً معينة، يعرفون جيداً ماذا يفعلون، لهذا السبب هم في غاية الخطورة.

تميزت منطقة الشرق الأوسط بكثرة النزاعات المسلحة والصراعات، حيث كل الأطراف في حالة حرب، كل دولة من الدول في نزاع مع جار واحد على الأقل، يضاف إليهم أطراف من خارج المنطقة. وبينما تحاول كلا من: تركيا -السعودية – إيران – إسرائيل، رسم سياساتها الخاصة في المنطقة، لكن التحالفات متقلبة لدرجة أنه لا يمكن حتى تسميتها تحالفات.

لذلك فإن الاستنتاج السادس هو ان الشرق الأوسط أكثر منطقة غير مستقرة في العالم، بسبب وجود قرصنة، إرهاب، نزاعات مسلحة معقدة ومتنوعة للغاية.

وبعد عرض الاستنتاجات ننتقل للتحليل، فالقوات البحرية المشاركة في المعادلة الجيواستراتيجية للشرق الأوسط، هي الهياكل الوطنية المكونة من القوات البحرية لدول المنطقة، والهياكل البحرية العاملة في المنطقة وهي من دول أخرى، وقوات التحالف المتواجدة بشكل مؤقت. اذ ان تلك الهياكل البحرية ذات تركيبة متنوعة للغاية، تحددها مصالح تلك الدول في المجال البحري، والقوة الاقتصادية، وموقف قيادات الدول. يُظهر تحليل الرسم البياني أدناه بوضوح وضع القوات البحرية لدول الشرق الأوسط. (الشكل 4)

 

 

( الشكل رقم 4) هيكلية القوات البحرية لدول الشرق الاوسط

باستثناء فلسطين، فإن جميع الدول المذكورة، لديها قوات بحرية، ومن بينها دولتان، قبرص والأردن، لديهما أسطول بحري، يتكون من زوارق دورية، وزوارق دورية سريعة وسفن مساعدة وسفن بروتوكول. إذا استثنينا تركيا ومصر وإسرائيل، التي نشرت معظم قواتها في البحر الأبيض المتوسط، ​​(تمتلك تركيا في بحر مرمرة والبحر الأسود أيضاً)، ستتغير الصورة تمامًا، حيث انخفض عدد السفن إلى النصف تقريبًا. وفي الأساس، لا تمتلك دول المنطقة قوات بحرية كبيرة، وبالتالي لا يمكنها التعامل مع القضايا البحرية بمفردها، وهذا من الأسباب التي وطدت علاقات الصداقة والتعاون بين العرب والولايات المتحدة، وهي علاقة قائمة على المصالح المتبادلة بين الطرفين. وبالحديث عن قوات بحرية تابعة لدول أخرى، فالولايات المتحدة تنشر اسطولها البحري السادس في البحر الأبيض المتوسط، والاتحاد الروسي ينشر أسطول البحر الأبيض المتوسط.

ظهر الأسطول الأمريكي السادس، كهيكل مستقر ومستقل، في عام 1950، كنتيجة للتوازنات الدولية الجديدة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وطوال فترة الحرب الباردة، كرست الولايات المتحدة حضورها البحري الاستراتيجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، عبر أسطولها السادس، حيث أصبح ذلك الأسطول، المكون التشغيلي للقوات البحرية الامريكية في أوربا وأفريقيا. وفيما يلي تحليل أهم عناصر الهيكل البحري الأمريكي (الأسطول السادس):

  • تشمل المنطقة الواقعة ضمن مسؤوليات القوات البحرية الامريكية، كلا من أوربا، أفريقيا ، المحيط الأطلسي، بحر البلطيق، وبحر بارنتس، بحر الأدرياتيكي، البحر الأسود، بحر قزوين، بحر الشمال، البحر الأبيض المتوسط، وكذلك تغطية روسيا، والقارة الأفريقية. وبحسب ما يقوله الأمريكيون، فإن مساحة المياه المغطاة تبلغ 2 مليون ميل مربع، لكن في واقع الأمر ليس كما يقولون، فعلى سبيل المثال، بحر قزوين يقع تحت نفوذ روسي – إيراني، وعملياً، لا إمكانية وصول للبحرية الامريكية الى هناك.

  • تتركز المهام في قيادة مجموعة متكاملة من العمليات البحرية والبعثات التعاونية في مسرح العمليات، وذلك بالتعاون مع مختلف الهياكل الأخرى، لتعزيز الأمن والاستقرار في القارتين الاوربية والافريقية.

  • في تحليل للهيكل التشغيلي، دون التطرق للهياكل الإدارية العملياتية الموجودة في الولايات المتحدة، فالقوات البحرية في أوربا وأفريقيا نشـأت عام 2004، من طاقم الأسطول السادس وطاقم القوات البحرية الأمريكية في أوربا، وكان مقره في لندن. ومن وجهة نظر تشغيلية، هيكلياً، تتشكل القوة من مجموعات تتفرع عنها مجموعات أخرى، تتسم بمرونة الحركة وفقاً لتطور الأوضاع على مسرح المسؤوليات وطبيعة الأهداف والمهام، وتتيح بُنيتها الهيكلية المرنة إمكانية القيام بتغييرات في الهياكل أو إعادة انتشارها أو حتى تفكيكها، حسب الحاجة وتطورات الموقف على مسرح العمليات.

أما بالنسبة للأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط ​​(وعلى الرغم من أنه لم يُسمى بذلك رسمياً، لكنه أصبح بالفعل أسطولًا، ويميل إلى أن يصبح أسطولاً دائماً في البحر). للبحر الأبيض المتوسط ​​امتدادات في البحر الأحمر وبحر العرب، وهي تشارك بعمق في المعادلة الجيوستراتيجية في المنطقة، وبشكل أساسي من خلال المشاركة الفعالة في الصراع في سوريا، وكذلك المظاهرات والاحداث المشابه في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط.

يحتدم التنافس الجيواستراتيجي بين القوتين الكبيرتين (الولايات المتحدة والناتو) و (الاتحاد الروسي)، في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، حيث يتجسس كل منهما على الآخر، ويصل الأمر لمواقف محرجة في بعض الأحيان، كما حدث في نوفمبر من عام 2016، عندما اكتشفت مجموعة حاملات طائرات روسية، غواصة هولندية، في البحر الأبيض المتوسط، كانت قد اقتربت من السفن الروسية، وحاولت المناورة، ولكنها فشلت واضطرت للهروب بعد ملاحقتها من السفن الروسية.

لروسيا قاعدة بحرية في طرطوس، وقاعدة جوية في اللاذقية، وتستطيع الوصول إلى الموانئ القبرصية، مما يمكنهم من التخزين والإصلاح والرسو. حيث وقعت روسيا اتفاقية مع الحكومة السورية تنص على استخدام قاعدة طرطوس البحرية لمدة 49 عامًا. كما اتفقت مع مصر على إنشاء قاعدة بحرية وقاعدة جوية واحدة على الأقل. ولموسكو مفاوضات متقدمة مع دول شمال أفريقيا الأخرى، فمن المرجح أنها تسعى لزيادة تواجدها العسكري في المنطقة.

 

( الشكل رقم 5) القواعد البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط ​​- القائمة والمُخطط لها.

علاوة على ذلك، يوضح الشكل (رقم 5) أن روسيا تنوي أن يكون لها قواعد دائمة في البحر الأحمر أيضًا، أما الصينيين تجاوزا ذلك بالفعل وأنشأوا قاعدة لهم في جيبوتي.

يسعى الروس إلى إعادة استخدام وتفعيل ما كان لديهم أثناء الاتحاد السوفيتي، ولكن بشكل أكبر مما كان عليه في ذلك الوقت. في اليمن، على سبيل المثال، شاركت روسيا بعمق في مفاوضات السلام، ومن المحتمل، كما هو الحال في سوريا، وفي نهاية النزاعات، أنها ستقدم مشروعاً يتضمن إنشاء قواعد عسكرية روسية في المنطقة.

ولتكريس حضورها الجيوإستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط، عززت موسكو أسطولها بمزيد من السفن والبوارج، وبدأت الغواصات بالظهور، حيث انظمت اثنتان من غواصات، فئة وارسو، وهما ( كولبينو و فيلكي نوفغورود) للمجموعة البحرية الروسية المتمركزة في طرطوس. وكذلك انضمام الفرقاطات الأولى والثانية من فئة الأدميرال جريجوروفيتشي، والتي يمكن اعتبارها كقوة رئيسية ضاربة، جنباً إلى جنب، مع فرقاطات فئة الأدميرال جوريكوف، وجدير بالذكر أيضاً، أنهم مزودون بنظام صواريخ كاليبر، والذي تم اختباره بنجاح في سوريا.

ان الوتيرة المتسارعة في نمو النشاط البحري الروسي في أوربا، وخاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مقلقة للغاية. وبحسب توصيف الأدميرال ميشيل هوارد (قائد القوة المشتركة لحلف الناتو والولايات المتحدة) ” ان النشاط البحري الروسي في أوربا تخطى المستوى الذي كان عليه خلال فترة الحرب الباردة”.

أدت اكتشافات مخزونات الغاز الطبيعي والنفط في المنطقة الواقعة بين قبرص وإسرائيل، إلى ان تقوم الدول بإعادة تقييم لمواقفها، فعلى سبيل المثال، إسرائيل لم تكن لديها ميول ان تصبح قوة بحرية، ولكنها وجدت نفسها أمام تحد كبير وضرورة ملحة لتأمين نفسها. وكذلك الحال بالنسبة لقبرص، بحثت عن شراكة مع قوة توفر لها الحماية في المنطقة، وكان من المفترض ان تكون روسيا. ومما زاد الطين بلة، أن الروس يستقبلون ضيوفًا في المنطقة، فمنذ عام 2012، تشارك السفن العسكرية الصينية في مناورات مشتركة مع السفن الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وتوجهت إلى بحر البلطيق أيضاً، وكذلك تم التخطيط لمرحلة ثانية تكون في بحر اليابان. ويتضح من ذلك، ان الصين وروسيا يسعون من وراء توحيد قواهما لإزاحة الولايات المتحدة من موقع القوى العظمى في العالم. ومن المؤكد إذا نجحوا في تحقيق ذلك، فإن السيناريو الأكثر تفاؤلاً، أنهم ينتقلون إلى التنافس فيما بينهم، أما السيناريو الأكثر تشاؤماً، فإنهم يدخلون في صراع. والخيار الواقعي، أن بعد تفككهم سيشنون نوعًا من الحرب الباردة.

نزولاً إلى البحر الأحمر وبحر العرب، حيث يتمركز الاسطول الأمريكي الخامس، الموجود في الشرق الأوسط، والذي تم إنشاؤه عام 1944 لمحاربة اليابانيين في المحيط الهادئ، وألغي في عام 1947، ولكن تم تفعيله من جديد في عام 1995 كجزء تشغيلي من القيادة المركزية للقوات البحرية (NAVCENT). هيكلياً، القادة هم أميرالات، وقادة الأسطول نواباً لهم، فالأساطيل والأوامر المعنية هي وحدة موحدة خاضعة للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في مناطق الانتشار (القيادة الأوروبية الأمريكية – EUCOM في أوروبا، وإفريقيا، وإسرائيل، وعلى التوالي، القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط)، وجزئياً، في شمال إفريقيا وآسيا الوسطى).

وكما هو الحال بالنسبة للأسطول السادس، فالأسطول الخامس، مُنظم على شكل مجموعات ومجموعات تكتيكية، يمكن إعادة هيكلتها، أو تسميتها، أو تشكيلها، أو حلها، وذلك حسب المهام والوظائف المطلوب تنفيذها. تتكون منطقة مسؤولية الأسطول الخامس من حوالي 2.5 مليون ميل بحري مربع من المساحة البحرية، والتي تشمل: (الخليج العربي – خليج عُمان – خليج عدن – البحر الأحمر – بحر العرب)، ومن الجوانب المهمة، ان في هذه المنطقة توجد ثلاث نقاط بحرية حرجة من بين أربع نقاط حرجة في الشرق الأوسط، وهي: (مضيق هرمز – قناة السويس – مضيق باب المندب) مما يجعل مهمة هذا الأسطول صعبة للغاية. أنشئ الأسطول الخامس عبر عملياته التي نفذها خلال السنوات الماضية في مناطق المسؤولية، عدة مجموعات تكتيكية خاصة، وشارك بالسفن والمجموعات التكتيكية المشتركة، إلى جانب قوات بحرية لدول أخرى.

وبحكم عملي في البحرية، كنت قد عملت مع الأمريكيين، فالأسلوب الأمريكي معقد للغاية في التخطيط والتنظيم والاعداد وتنفيذ العمليات القتالية. ويمكن القول إنهم اخترعوا الكثير من الإجراءات، ولديهم العديد من المعايير والاشكال تجعلك تتساءل ” متى يستعدون؟”. ولكن من المؤكد إذا أنشئت حالة ليست جزءاً من الإجراء، فانه يتم انهاؤها. على سبيل المثال، في الأسلوب الأمريكي، يقول الأمريكي عبر الإجراء ” ان المقذوفات N مخصصة لنيران بحرية معينة”، اشترك، لا بأس، فالرد يأتي بـ لا، كرر. أما الروس، لديهم فلسفة أخرى، وهي فلسفة عملية تستند على القيام بعمل فوري، وبالنسبة لهذا الاسلوب، لا يهم عدد المقذوفات التي تطلقها، فمن المهم إصابة الهدف.

يتطلع كل من الأمريكيين والروس إلى تبني فلسفة جديدة. وقد نجحوا الروس بتغيير نظام تدريباتهم، خاصة بعد الفوضى أثناء حملتهم العسكرية على جورجيا، ويبدوا ان اختبارالنظام الجديد ونتائجه، ظهرت في سوريا، ومن غير المعروف كيف نجحوا في ذلك، ولكن المؤكد ان شيئاً ما قد تغير.

إن الخطر على مضيق البوسفور والدردنيل، كنقطة حرجة، لا يأتي من طرف روسيا، رغم ان العالم يريد تصديق هذه الفكرة، ولكن من السخافة ان يقوم الروس بإغلاق المضيق لسببين: الأول، حاجتهم لعبور السفن العسكرية والتجارية عبر المضائق. الثاني، هو أن لديهم الوسائل الكافية للتحكم وحظر الوصول عبر المضائق دون الاضطرار إلى سدها، حيث يمكنهم إصابة أي هدف يحاول الدخول أو الخروج من البحر الأسود، ومراقبة جميع الحركات، وتساعدهم اتفاقية مونترو في ذلك.

من ناحية أخرى، يمكن لتركيا إغلاق المضيق في ظروف معينة، لكن ذلك سيكلفها الكثير، خاصة على المدى المتوسط ​​والطويل. وبينما تعتبر هذه المضائق من الناحية الاقتصادية مصدراً للدخل لتركيا، إلا أنها تمثل عبئًا عسكريًا، نظرًا لخطر الهجمات الإرهابية التي يمكن ان تتعرض لها السفن خلال عبورها للمضائق، ولذلك يتوجب على تركيا توفير مرافقة جوية وبحرية، خاصة للسفن العسكرية الروسية، ومراقبة 146 نقطة على طول مضيق البوسفور بشكل مستمر.

يشكل بحر قزوين جزءاً من المعادلة الجيواستراتيجية في المنطقة، حيث أظهرت ضربات صواريخ كاليبر التي تشنها السفن العسكرية الروسية في بحر قزوين، خطراً كبيراً على أمن المنطقة. ورغم ان الروس يقولون أن هذه الصواريخ لها متغيرات يتراوح مداها من 50 كم إلى 2500 كم، إلا أن العديد من المصادر أشارت إلى ان الجيل الأخير من صواريخ كاليبر يصل مداها إلى 4000 كم، والذي عزز مصداقية تلك المصادر، أن روسيا باعت بالفعل صواريخ كاليبر للصين، تحت أسم كلوب، ومن المعروف أن الدولة المُصنعة لا تبيع الجيل الأحدث من سلاحها.

 

( الشكل رقم 6) انتشار صواريخ كاليبر الروسية وإمكانية إطلاقها من البحر الأسود وبحر قزوين حسب المسافات

تحلق صواريخ كاليبر بسرعة 0.8 ماخ، على ارتفاع 10 -15 متراً، وفي الجزء الأخير من المسار تصل سرعتها إلى 3 ماخ وتنزل على ارتفاع 4.6 متر. ويتم استبدال نظام كاليبر، بنظام زيركون، الذي لديه سرعة 6 ماخ، فمن الناحية العملية لا يمكن محاربة مثل هذا الصاروخ أو اكتشافه، لذلك سيدخل في الجيل الخامس من الغواصات (غواصة فئة كالينا ذات الدفع الكلاسيكي، وغواصة هاسكي، التي تعمل بالدفع النووي).

إيران على علاقة جيدة مع روسيا، وعلى عكس دول الخليج العربي، لديها قوة بحرية كبيرة وغواصات يصل عددها الى حوالي 33 غواصة، حتى لو كانت صغيرة أو غواصات “جيب “، بطاقم قد يصل لشخصين فقط، ولكن مع ذلك فهي تمتلك ثلاث غواصات من طراز كيلو، وغواصة ذاتية الصنع بوزن 1200 طن من فئة بيسات. بالإضافة إلى ثلاث فرقاطات من فئة ألفاند تم بناؤها في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك تقوم ببناء فرقاطات من تصميمها الخاص، من فئتي (Moudge)، و( Sahand ) التي تعد نوعا ما أكبر من الفئة الأولى، ومنها أربع فرقاطات تعمل بالفعل، و مدمرة تزن 7500 طن، صناعة إيرانية، كانت قيد الانشاء، ولا توجد معلومات عنها منذ عام 2014.

تعتبر إيران لاعب فعال ومهم في المعادلة الجيوستراتيجية للمنطقة، خاصة في الخليج العربي، لأنها في بحر قزوين لا يمكن أن تمثل قوة بحرية قادرة على منافسة القوة البحرية الروسية.

وتبدوا نية إيران واضحة في تطوير قوتها البحرية، وطهران تتعاون مع الصين وروسيا في هذا المجال، وكذلك سعيها توسيع نطاق قواتها البحرية، حيث صرح قائد الجيش الإيراني، اللواء محمد حسين باقري، ان بلاده تعتزم إنشاء قواعد بحرية لها في سوريا واليمن، بذريعة ان لديها تواجد عسكري في هاتين الدولتين، ومن خلال ذلك يمكن الفهم ايضاً، ان ايران تشارك في تعزيز قوة التحالف الذي تعمل روسيا على تشكيله في المنطقة (الاتحاد الروسي).

وفي الآونة الأخيرة، أصبحت الهند أكثر حضورا في منطقة الشرق الأوسط، كونها على علاقة جيدة مع جميع دول المنطقة، خاصة مع سلطنة عُمان، حيث تستفيد من إمداد سفنها العسكرية والتمركز المؤقت. وتبدوا جهود الهند واضحة في سبيل ان تصبح قوة بحرية رئيسية، وتتجلى في إجراءات الدبلوماسية البحرية أيضاً، مثل “إظهار العلم”.  ومن الناحية العملية، كثفت الهند تواجدها في بحر العرب، منذ عام 2008، على أساس تأمين خطوط الاتصال في غرب المحيط الهندي والمشاركة في إجراءات مكافحة القرصنة والسطو المسلح في البحر، والإرهاب، إلخ. كما ان حضور الصين المتزايد في المنطقة دفع بالهند إلى ان تكون أكثر نشاطاً، سواء على صعيد النشاط الدبلوماسي أو التواجد البحري، وذلك يضاف الى رغبتها في ان تكون القوة الأولى في المحيط الهندي.

أما عن تزايد حجم الوجود الصيني في المنطقة، فإنه قائم على عقيدة صينية بحرية وهو جزء منها (haijun zhanlue ، 海军 战略) ، كان قد وضع أسسها الأدميرال ليو هواكينغ، وتم تطويرها في أوائل الثمانينيات. تعمل هذه العقيدة على هيكلة تطور ووجود القوات البحرية الصينية على المحيط الكوكبي، على مراحل، بحيث تكون الصين، خلال الفترة 2040 -2050، حاضرة بقوة في المحيط الكوكبي بأكمله.

نظريًا، وفقًا لهذه العقيدة، كان ينبغي أن تكون الصين في المرحلة الثانية (التواجد في السلسلة الأولى من الجزر)، أي 200 ميل بحري قبالة سواحل الصين، وهي المرحلة التي كان لها موعد نهائي لعام 2020، والاستعداد للمرحلة الثالثة (التواجد في السلسلة الثانية من الجزر)، مما يعني توسيع منطقة عمل القوات البحرية الصينية لـ 600 ميل بحري قبالة سواحلها، لكن السيطرة على بعض جزر سبراتلاي في بحر الصين الجنوبي، سيؤدي لتوسيع هذه المنطقة لغاية 1800 ميل بحري.

وعمليا، فالصين في المرحلة الثالثة وهي في حالة توسع كامل، لذلك يتوقع الخبراء بالفعل تقدمًا ملموسًا في التواجد على المحيط الكوكبي بأكمله، لذلك من المرجح أن يكون لها وجود دائم في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، ولكن حالياً هي في حالة انتظار حتى عام 2030. ويمكن الدلالة على حقيقة توسعها البحري بالإشارة الى القاعدة الصينية البحرية في جيبوتي، وذلك بحد ذاته يعد دليل على ان الصين لا تمزح وأنها تتبع عقيدة بحرية. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الصين أكبر أسطول صيد في العالم، والذي من الواضح أنه يحتاج للتوسع والبحث عن مناطق جديدة للصيد. ويمكن تلخيص الاستنتاجات عن الجوانب البحرية في المعادلة الجيواستراتيجية للشرق الأوسط، على الشكل التالي:

عدم الاستقرار:

سيكون عدم الاستقرار ثابتاً على المدى المتوسط والطويل في الشرق الاوسط، فالنزاعات في المنطقة ستكون معقدة أكثر وتتخذ منعطفات غير متوقعة، وتشكل خطرًا يقود لتوسعات سريعة.

زوال القوة الامريكية:

إذا كانت الولايات المتحدة، لا تزال تتمتع بتفوق بحري، فمن المؤكد أنها ستتآكل بفعل التوسع البحري لكلاً من: الصين والهند، وخاصة روسيا.

تعزيز قوة إيران:

على خلفية تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، ستعمل إيران على تعزيز وجودها البحري، بهدف أن تصبح القوة البحرية الإقليمية للخليج العربي. وفي المقابل، رغم الجهود المبذولة من قبل دول الخليج العربية لتحديث وتطوير قواتها البحرية، إلا أنها لن تتمكن من تحقيق تفوق بحري في الخليج وبحر العرب، لعدة أسباب، منها عدم امتلاك العرب والأتراك ايضاً، للوعي البحري، كما ان اعتماد العرب على المستشارين الأجانب لا ينفع، بغض النظر عن مقدار الأموال التي يستثمرونها، ويجب عليهم القيام في ذلك الأمر بأنفسهم، عندها يتم الحديث بشكل صحيح عن وريد بحري وطني أصيل.

بحر قزوين للروس:

يظل بحر قزوين للروس، وجزء منه مؤجر لدول أخرى، ولا تملك أي دولة من الدول المُطلة على بحر قزوين، القدرة العسكرية البحرية اللازمة والتي تمكنها من الاعتماد على معادلة جيوستراتيجية بحرية خاصة بها، وحتى إيران تستفيد فقط من أن تضع نفسها على نفس الحاجز مثل الاتحاد الروسي.

نزاع امريكي – روسي:

 إن شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، مثل البحر الأبيض المتوسط​​، موضع نزاع بين القوتين البحريتين الرئيسيتين (الولايات المتحدة والاتحاد الروسي)، اللتان تعيدان وضعهما وفقًا لتطور الوضع في المنطقة، ومن المؤكد أن الروس يتحركون بشكل أسرع.

تراجع مجموعات بحرية:

ستقلل القوات المتعددة الجنسيات من أنشطة مجموعاتها البحرية، بسبب إنخفاض حدة بعض الظواهر مثل القرصنة، وكذلك ظهور مناطق ومصادر نزاعات وصراعات جديدة، يجب ” ان تدار بالضرورة”.

المصدر / مجلة جي فوكس الدولية

2022-9-4

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى