مناقشة مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW” الدكتور مهند العزاوي

عدم ملائمة مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW ” مع وصف الحرب
الدكتور مهند العزاوي *

سبق وان ناقشت استخدام مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW بعلمية ومهنية وأؤكد مجددا ان اطلاق هذا المصطلح لا يتسق ولا يلائم الوصف العلمي للحرب، فضلا عن عدم اعتماده في المؤسسات العسكرية العالمية والعربية كمصطلح متداول بالعلوم العسكرية، وانما مصطلح متداول إعلاميا، ولذلك نعيد نشر ما ناقشناه بالأمس .. الدكتور مهند العزاوي

مناقشة مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW”

د. مهند العزاوي

“إن لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة” .. كارل فون كلاوزفيتس

 يعد “فن الحرب” من العلوم العسكرية الشائعة في العالم، ويجري تدريسه في المعاهد والمؤسسات العسكرية للعسكريين بمختلف مستوياتهم خصوصا الفنون الاستراتيجية والتكتيكية للحرب والمرتكزات الأساسية الذهنية للقائد والامر التي تتسق مع شكل التكليف، وحجم المنصب، ونوع الرتبة، وطبيعة التهديدات والمخاطر المتسقة بالبيئة الحربية الدفاعية لذلك البلد كأسبقية أولى، ضمن منهج التأهيل والتنمية العسكرية للقوات المسلحة، وما يلفت الانتباه وجود مصطلحات متداولة في أروقة الاعلام والمحافل البحثية والمواقع الالكترونية الموسوعية قد تكون معتمدة ولكنها غير دقيقة، حيث تحتاج الى دراسة ومعاينة قبل استخدامها في الأوراق الرسمية والبحثية على ان تأصل علميا ومنهجيا، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان العلوم العسكري شأنها شأن بقية العلوم مع فرق التخصص، أي يعني هناك مصطلحات دقيقة وكما يقول المثل الفقهي (لا معرفة بلا مصطلح) وهنا لفت نظري تداول مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW ” واعتقد لدرجة من الجزم ان هذا المصطلح قد اطلق بشكل مستعجل ولايتسق بالمعايير الوصفية لفن الحرب،خصوصا ان انتاج المصطلح لابد ان يكون يعتمد في مؤسسة عسكرية ليكون صالح للتداول .

المعيار الزمني

سنناقش بوضوح وبشكل علمي وموضوعي عدم اتساق مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW ” مع الوصف للحرب، نعلم ان الحرب لا يمكن ربطها بأجيال، فان الجيل يوصف (33) عام وان الحرب ديناميكية مستمرة منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، فان الوصف الرقمي للجيل يعد غير صحيح حسابيا، كونه متأخرا اذا ما قورن بالرابع والمقياس الزمني للحرب، ولذلك كما اعتقد ان وصف الحرب يرتبط بالتصنيف العمودي للحرب “الحروب النظامية” – “الحروب الغير نظامية” التي تسير بشكل متوازي وتختلف في مسارها الافقي، ولعلنا اليوم نعاصر تصنيف ثالث للحروب وهو ” الحرب المركبة..Composite Warfare – CW ” [1]التي تختلف في الاعداد والموارد والاهداف والسياقات والتعاليم عن كلا الحربين وتشترك معهم في الأساسيات والموارد.

 مفاهيم الجيل

– الجيل هو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليديا على أنه “متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم.” ومدة الجيل 33 سنة ويكبيديا[2]

– المستوي اللغوي، مصطلح جيل من كلمة generare  اللاتينية، التي ارتبطت معجميا بمعاني الولادة، والانجاب، والسبب المؤدي الي الذرية، والنسل، والنتاج، وتشير الكلمة الي الحقبة الزمنية التي تفصل بين والدين وأبنائهما، وتدل أيضا علي مجموعة من الأفراد ولدوا ونموا في فترة زمنية متقاربة.

– المعجم العربي يعني كل صنف من الناس، فالترك جيل، والعرب جيل، والروم جيل، وهكذا، وقيل الجيل هو الأمة

– موسوعة جوردون مارشال في علم الاجتماع الي أن الجيل صورة من صور جماعات العمر، يتكون من أفراد المجتمع الذين ولدوا في الوقت ذاته تقريبا. وهو تحديد وضع الميلاد محدد جوهريا في المفهوم

– القرن = 100 سنة / الجيل = 33 سنة / العقد = 10 سنوات / الألفية = 1000 سنة )[3]

وفي استطلاع بسيط لما ورد أعلاه من تعاريف معتمدة وقياسا بالمدة الزمنية للجيل، فان اطلاق وصف جيل على الحرب يتعارض مع الوصف اللغوي والمفاهيم والزمن والتوصيف الرقمي، خصوصا القيم الإنسانية والعديد البشري المحدود الذي يختلف تماما عن الموارد البشرية الهائلة التي تستخدم بالحروب، ناهيك عن القيم الزمنية المحدودة التي تصل (33) عام، ولعل اطلاق ترقيم جيل للحرب مبدئيا غير دقيق لان الحرب سمة سياسية مستمرة والحرب ابرز أدوات السياسة والاخضاع، والحرب قائمة منذ بدء الخليقة حيث هناك صراع وحروب، ولذلك الترقيم غير موفق مطلقا، وكذلك وصف الجيل يتسق بالأسلحة وعمرها الزمني المحدود الذي يصل لمرحلة عدم الصلاحية؟ ويتسق بالبشر والنسب ولايتسق بالحرب، حيث يقول كارل فون كلاوزفيتس: “إن لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة” وهذا يؤكد صعوبة تحديد جيل للحروب او ترقيمها

الحرب

يعد استخدام القوة من ابرز أدوات السياسة والقوة جوهر الصراع، وتختلف استخداماتها بين حرب نظامية يخوضها جيش ضد جيش مقابل وتخضع لمعايير العلوم العسكرية الحربية النظامية وأخرى غير نظامية متعددة الافرع وتختلف في سياقاتها ومفردات التعبية الصغرى وأخرى معاصرة ” الحرب المركبة..Composite Warfare – CW ” ” التي تجمع بين الحربين السالفة الذكر والتي لم تنظر حربيا كمادة في المعاهد العسكرية ولكنها قد ناقشتها بإسهاب كظاهرة حربية برزت في مسرح الحروب المعاصرة التي نشهدها اليوم، ولنطلع على تعاريف الحرب :-

– الحَرْبُ تُؤَنَّثُ، يقال: وقَعت بينهم حربٌ وتصغيرها حُرَيْبٌ، وكلمة حرب اسم صحيح مجرد ثلاثي على وزن فَعْلْ والمثنى منها حربان (في حالة الرفع) أو حربين (في حالة النصب والجر) وجمع هذه الكلمة جمع تكسير حروب، والفعل من حرب فعلٌ متعدي معتل تام التصرف حَارَبَ، يُحَارِب، حَارِبْ.

– الحرب هي نزاع مسلح تبادلي بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوة ومصممة بشكل ذاتي. قال المنظر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه عن الحرب أنها “عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على وسائل مختلفة.” وتعد الحرب هي عبارة عن تفاعل بين اثنين أو أكثر من القوى المتعارضة والتي لديها “صراع في الرغبات”[4]

قسمت العلوم العسكرية الحرب الى صنفين وهما:-

1- الحروب التقليدية

– الحرب الدفاعية

– الحرب الهجومية

– حرب الأدغال

– حرب الحدود وهو نوع من الحروب الدفاعية محدودة

– حرب المدن

– حرب الصحراء

– مناورة حربية

– حرب الخنادق

– حروب الجبال التي تسمى أحيانا حروب جبال الألب

– حرب القطب الشمالي أو حرب الشتاء بشكل عام

– الحرب البحرية أو الحروب المائية التي تتضمن الحروب الساحلية والبرمائية والنهرية

2- الحروب غير التقليدية

– حرب العصابات

– الحرب النفسية

– الحرب البيولوجية

– الحرب الكيميائية

– حرب الألغام وهي نوع من حروب الحرمان من التضاريس الساكنة

– الحرب الجوية التي تضم حرب المحمولة جوا وحرب النقال الهوائي

– شبه الحرب المائية

– حرب الفضاء

– الحرب الالكترونية، بما في ذلك الراديو والرادار وحروب الشبكة

– الحروب السيبرانية

– حروب الطاقة الموجهة

– الحرب النووية

– الحروب القبلية وحرب العصابات، والتي تحدث بشكل محلي أو دون مستوى الدولة

3- ظاهرة الحرب المركبة..Composite Warfare – CW

الحرب المركبة هي مزيج مجتزأ من الخطط والقدرات وموارد الحرب النظامية، إضافة الى تنوع الموارد وأساليب الحرب الغير نظامية مع مزاوجة الحداثة الحربية كالفضاء والجو الالكترومعلوماتية والطائرات بدون طيار والأسلحة الحديثة، لتنتج خليط غير متجانس من الموارد الحربية يقابله اهداف متعددة غير محددة لا ترتبط بخطوط مسرح الحركات حيث يتم تجزئة الأهداف وفقا للموارد المبعثرة المتعددة العقائد والتي تشكل جسد الحرب المركبة ، ويلاحظ ان هذه الحرب تستخدم اهداف حيوية مبعثرة وليست اهداف سوقية بطريقة القضم الحربي، وتزاوج أساليب سياسة الأرض المحروقة مع نظرية “الصدمة والترويع Shock & Awe” إضافة الا ما يرافقها من تغيير سكاني وفقا سياسة التهجير الحربية وهناك الكثير عنها ولاتزال قيد الدراسة .

 نظرا لقيم وتعاريف الحرب نجد من الصعوبة ممازجة الحرب بترقيم جيل ما أي كان، خصوصا ان الأجيال تصل لحد زمني تنتهي فيه، وليس كل ما يطلقه كاتب او خبير ما يصلح للتداول العسكري من جانب او الاستخدام في المحافل الإعلامية والبحثية من جانب اخر، ولعل ما استعرضناه من قيم ومفاهيم تكاد تبرهن ان اطلاق مصطلح “الجيل الرابع من الحرب4GW ” يحتاج الى مراجعة وتدقيق لعدم تناسق المصطلح في مفاهيم العلمية والرقمية والوصف المترابط، انها وجهة نظر مبينة على بحث واستقصاء وليس مجرد اعتراض .

د. مهند العزاوي – عسكري عراقي متقاعد

‏…………………….

[1] . مهند العزاوي، ظاهرة الحرب المركبة

 https://saqrcenter.net/?p=190

 [2] . https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8A%D9%84

[3] . علاءعبد الهادي، مفهوم الجيل، موقع الاهرام مقال منشور 2010، http://www.ahram.org.eg/archive/The%20Writers/News/38524.aspx

 [4] . وكيبيديا الموسوعة الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى