هل المحادثات الإقليمية لإيران بديل للاتفاق النووي مع واشنطن؟
اقليمي- ايران -التفاعلات السياسية
هل المحادثات الإقليمية لإيران بديل للاتفاق النووي مع واشنطن؟
تُلقي الدبلوماسية الإقليمية التي تتبعها إيران الآن من أجل فتح حوارات ومحادثات مع عدد من دول الخليج العربي، الضوء على ما يسمى النظام الإقليمي وتفاعلاته التي قد تكون صراعيةً أو تعاونيةً، وكيف يمكن له أن ينتقل لحالة أخرى تسمى المجتمع الإقليمي، وقوامها التعاون والتعايش والمصالح المتبادلة.
كما تطرح تلك التطورات تأثير درجة العامل الخارجي كالقوى العظمى في تفاعلات الإقليم، وفي حالة الشرق الأوسط المقصود بالطبع الولايات المتحدة. وهل يمكن أن تمثل نتائج هذه الحوارات الإقليمية بديلاً عن الاتفاق الأشمل والأقوى الذي توقعه جو بايدن في بدايات ولايته؟
أهم الحوارات الإقليمية الجارية هي المحادثات بين المسؤولين السعوديين ونظرائهم الإيرانيين، والتي دخلت في الجولة الخامسة، ووصفت بأنها “تقدمية وإيجابية”، وإذا كان الأمر كذلك، فلن يكون هذا إلا تطوراً إيجابياً للمنطقة بأكملها. كما تحسنت العلاقات بين الإمارات وإيران منذ العام الماضي، وبينما تعمل السعودية على حل الخلافات مع طهران تحدث الرئيس الإيراني مع أمير الكويت، وأعرب عن رغبته في العودة إلى العلاقات الودية السابقة.
المحادثات الإقليمية بين القوى الإقليمية الشرق أوسطية تسلط الضوء على أهمية فهم النظام الإقليمي ومحدداته وتأثير تفاعلاته. ووفقاً للعلوم السياسية، فإن أهم عناصر تحديد النظام الإقليمي هي: القرب الجغرافي وأنماط التفاعلات (درجة انتظام وكثافة التفاعلات)، وإدراك النظام الفرعي الإقليمي باعتباره منطقة متمايزة، والترابط الأمني بين المصالح الوطنية للدول الأعضاء، وأن تتضمن عضوية اثنتين أو أكثر من الدول به. وقد ظهرت دراسات عدة لتحليل النظام الإقليمي، فركزت بعضها على أربعة جوانب رئيسة، هي الخصائص البنيوية للنظام، ونمط الإمكانات ومستوى القوة، ونمط السياسات والتحالفات، وبيئة النظام.
وقسم كانتوري وشبيجل النظام الإقليمي إلى ثلاثة مستويات، دول المركز ودول الهامش، ونظام التغلغل في النظام الإقليمي: ويقصد بدول المركز تلك الدول من منطقة معينة بينها تفاعلات اقتصادية وسياسية مشتركة تكون محوراً مركزياً للسياسات الدولية في تلك المنطقة، هذا الفهم لطبيعة النظم الإقليمية وخصائصها وبالتطبيق على حالة المحادثات الإقليمية التي تشهدها منطقة الخليج العربي حالياً ما بين عدد من دول الخليج العربي وإيران يدفع للتساؤل حول أهمية المحادثات للمنطقة بأكملها، وما هي التحديات التي قد تعترض النتائج المتوقعة منها.
منذ الحرب الباردة، وبعد انتهائها، تلقى منطقة الشرق الأوسط مكانة محورية في سياسات القوى العظمى، ومع تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة أخيراً، بدأ الحديث عن أن ذلك التراجع كان وراء دفع القوى الإقليمية للحوار وبدء حل الخلافات بين المتصارعين من جهة وتعزيز تحالفات بين قوى أخرى، بالتالي بَدْء القوى الكبرى في إيجاد آليات لحل النزاعات.
وبالنظر إلى إيران، فمع التراجع الأميركي من جهة، والشك في إمكانية التوصل لإحياء الاتفاق النووي على خلفية تمسك طهران بشرط شطب “الحرس الثوري” من قائمة الإرهاب الأميركية ورفض إدارة بايدن الاستجابة، يمكن القول إن إيران تحاول تحسين علاقتها بدول الخليج للاستفادة من تحسن العلاقات الاقتصادية، بخاصة أن من بين الوعود العديدة التي أطلقها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حملته الانتخابية أنه لن يضع مصير البلاد الاقتصادي والسياسي تحت رحمة المفاوضات النووية.
ومع وصول المحادثات النووية إلى طريق مسدود بشكل غير رسمي، بالتالي عدم تخفيف العقوبات، يبدو أن إيران قررت معالجة القضايا الإقليمية، وتأمل في تعويض الخسائر الاقتصادية بالتجارة مع جيرانها.
وفى هذا الإطار، فإنه تجدر الإشارة إلى أهمية مدى إدراك النخبة السياسية في أي دولة تسعى للعب سياسة خارجية نشطة في محيطها للأهمية الجيوبوليتيكية (تأثير الجغرافيا على السياسة) للإقليم، وإدراكها لما يحمله من فرص أو تحديات لها.
ومن ثم، فإن إدراك الدول في أي نظام إقليمي للمصالح والقيم المشتركة، تحوله إلى مجتمع إقليمي، يلتزم أعضاؤه بمجموعة مشتركة من القواعد في علاقاتهم مع بعضهم بعضاً، بالتالي تكوين شبكة كثيفة من الروابط الأمنية والاقتصادية (مثل تلك الموجودة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي)، والتي تجعل من المستحيل التفكير في أن أمن أو رفاهية أي جزء من أجزائه قد يتحقق من دون الآخرين وعلى حساب مصالحهم وأمنهم.
إذا أرادت إيران تجاوز العقوبات الأميركية والانخراط في المجتمع الإقليمي المتوقع، فعليها التخلي عن تحقيق المصالح الوطنية على حساب جيرانها، كما عليها تقليل عسكرة السياسة الخارجية حتى يمكن نجاح أي محادثات دبلوماسية.
لذا، قد تكون أهم التحديات التي تواجه نجاح المحادثات الإقليمية مع إيران، ما يتعلق بكل من وقف إطلاق النار في اليمن، والتدخل الإيراني في العراق ولبنان. ومن جهة سيظل “الحرس الثوري” الإيراني تحدياً أمام نتائج ناجحة للمحادثات، فهو القوة العسكرية الوحيدة التي تقود سياسات الردع الإيرانية وسياسات الحرب غير المتكافئة في المنطقة، والتي هي أساس الاستراتيجية العسكرية الإيرانية.