الخطر المتنامي للغموض الأميركي بشأن تايوان
ينبغي لبايدن أن يوضح للصين وللعالم التزام أميركا أمن تايوان
رداً على هذا القلق المتزايد، أعطت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولوية لتقوية العلاقات مع تايوان، وأشارت إلى أنها تأخذ التهديد لتايوان على محمل الجد. ولقد اعتبرت وزارة الدفاع الأميركية الصين، على نحو صائب، “تحدياً متسارعاً” ووصفت احتمال نشوب صراع حول تايوان بأنه “سيناريو متسارع“، بينما صرح قائد القيادة الأميركية لمنطقة المحيطين الهندي والهادي بأن الخطر الأكبر بالنسبة إلى المنطقة يأتي من تهديد الصين باستخدام القوة ضد تايوان. لكن أولويات الميزانية بالنسبة إلى الإدارة ونشر القوات على الصعيد العالمي لا يعكسان شعوراً بالاستعجال. كما أن الإدارة لم تشرح للكونغرس ولا للشعب الأميركي مدى أهمية تايوان الكافية لكي تستحق المخاطرة بحياة الأميركيين دفاعاً عنها.
كان ما فعلته إدارة بايدن معيباً أيضاً. لقد تبنت رسمياً سياسة الغموض الاستراتيجي قديمة العهد، وامتنعت عن الإعلان صراحة بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا استخدمت الصين القوة ضد الجزيرة. لكن من غير المرجح أن يردع هذا النهج الصين، التي باتت قوية وتزداد حزماً ومستعدة لتحمل المخاطر. من غير المرجح أن تردع الاستراتيجية نفسها -التي نجحت عندما كانت تايوان والولايات المتحدة متفوقتين عسكرياً على الصين- جيش التحرير الشعبي، الذي أمضى العقدين ونصف العقد الماضيين في الاستعداد لخوض نزاع حول تايوان. إن ما تحتاجه واشنطن الآن هو سياسة “الوضوح الاستراتيجي”. وكما جادلنا في مقال بمجلة “فورين أفيرز” قبل عام، فإن أفضل طريقة لتقليل مخاطر الحرب هي أن توضح الولايات المتحدة للصين أنها سترد على أي هجوم ضد تايوان بكل الأدوات المتاحة لها، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية الشديدة والقوة العسكرية. يتعين على واشنطن أن توضح لبكين أن تكلفة العدوان ستفوق إلى حد كبير أي فوائد محتملة.
خلال السنة التي أعقبت طرحنا تلك الفكرة، بدا أن بايدن قد أوضح في مناسبات عدة شكلاً من أشكال هذا الوضوح الاستراتيجي، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني. مع ذلك، وفي كل حالة، تراجع مسؤولو الإدارة لاحقاً عن تصريحات بايدن، ما يشير إلى عدم وجود إرادة لمواجهة الصين. لكن ذلك أزعج الحلفاء والشركاء الذين كانوا يتطلعون إلى الولايات المتحدة للحصول على توجيهات واضحة تمكنهم من تكييف مواقفهم. ومما يزيد الارتباك هو حقيقة أنه، على الرغم من التأكيد الرسمي أنه لم يتغير أي شيء، اتخذت الإدارة خطوات واضحة لتحسين العلاقات الأميركية مع تايوان، وغالباً ما كانت أفعالها أكثر انسجاماً مع تصريحات بايدن غير الرسمية من موقفها الرسمي. والنتيجة النهائية هي تزايد مخاطر سوء التقدير الصيني واحتمالات نشوب صراع.
ومع ذلك، على الرغم من أن الوضوح الاستراتيجي من شأنه أن يقلل من احتمالات نشوب صراع، فإنه ليس حلاً سحرياً. يجب أن يكون هذا الوضوح مصحوباً باستثمارات كبيرة في القدرات الأميركية لتمكين الدفاع عن تايوان. وتحتاج واشنطن إلى تكميل التحديثات العسكرية بجهود دبلوماسية لإرسال إشارة للصين مفادها أنها ستتكبد تكاليف اقتصادية وسياسية إذا تصرفت بقوة. لذا يمكن اعتبار الوضوح سعياً لتعزيز الردع.
كما يتعين على الولايات المتحدة تقديم قدر من الطمأنة للصين من خلال تأكيد مواصلة التزامها سياسة “الصين الواحدة” وعدم دعم استقلال تايوان. ومن الناحية العملية، قد يتطلب ذلك خفض الصورة العامة للعلاقات الأميركية التايوانية، وفي الوقت نفسه تحسين الأمن الاقتصادي لتايوان، وتعزيز قدرة الجزيرة في مواجهة الضغط الصيني، والشراكة معها في مجال أمن سلسلة التوريد.
والخبر السيء هو أن فرصة إجراء هذا التحول ضئيلة ويمكن القول إنها تختفي تدريجياً. ومع ذلك، هناك خبر سار يتمثل في قدرة الولايات المتحدة على تحقيق الوضوح في سياستها وتعزيز قدراتها بطريقة تتماشى تماماً مع التزام الحفاظ على علاقة عملية مع الصين. وإذا تم تصميم وتطبيق هذا النهج بشكل صحيح، فلن يساعد فحسب في تجنب الصراع، بل سيسمح بتعاون انتقائي بين الصين والولايات المتحدة.
مبررات الوضوح
إن أحد العوامل التي تستدعي بقوة مزيداً من الوضوح الأميركي بشأن تايوان هو تنامي الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، على الرغم من التطمينات التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا في مذكرة بودابست لعام 1994، اكتفت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا عندما غزت جزيرة القرم وضمت أراضيها عام 2014. وفي السنة الماضية، عندما وجهت الصين ضربة قاتلة للديمقراطية في هونغ كونغ بمخالفة معاهدة كانت قد أمضتها مع المملكة المتحدة، وقفت الولايات المتحدة وشركاؤها وقفة المتفرج. وحديثاً، تخلت الولايات المتحدة عن شركائها في أفغانستان عوض توخي نهج يقوم على توافر الشروط لانسحابها.
إلى جانب الغموض المتعمد لسياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان، تغذي المصداقية الأميركية المتداعية احتمالية تقييم الصين الوضع بشكل خاطئ وهو ما قد يؤدي إلى الحرب. من الناحية التاريخية، غالباً ما كان الغموض بشأن نيات الطرف الآخر دافعاً رئيساً لعدم الاستقرار والصراع، وتعد الحرب العالمية الأولى والحرب الكورية مثالين على ذلك. فالوضوح يقلل من مخاطر نشوب صراع نتيجة سوء تقدير أحد الأطراف نيات الطرف الآخر وقدراته.
الوضوح الاستراتيجي قد يقلل فرص الصراع، لكنه ليس حلًا سحرياً
يجادل البعض في أن التخلي عن الغموض الاستراتيجي سيؤدي إلى توتر العلاقات بين واشنطن وبكين. لكن لا شيء في البيانات الثلاثة المشتركة التي أرست أسس العلاقات الأميركية الصينية الحديثة يمنع مثل هذا التغيير في سياسة الولايات المتحدة. في الواقع، من المهم أن نتذكر أن الولايات المتحدة تبنت سياسة الغموض الاستراتيجي لأن الرؤساء المتعاقبين رأوا أن هذا النهج هو الأفضل لحماية المصالح الأميركية، وليس لأنه كان شرطاً من شروط التطبيع أو تعهداً قطعته واشنطن على بكين. لقد كان دائماً خياراً سياسياً أحادي الجانب للولايات المتحدة، خياراً يجب تعديله وفقاً للظروف المتغيرة.
جادل آخرون في أن الوضوح الاستراتيجي من شأنه أن يشجع تايوان على السعي للحصول على الاستقلال الرسمي. ومع ذلك، تكشف استطلاعات الرأي العامة عن أنه حتى مع تزايد نسبة سكان تايوان الذين يعتبرون أنفسهم تايوانيين في المقام الأول (مقارنة بمن يعتبرون أنفسهم صينيين أو تايوانيين-صينيين) بشكل كبير على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية، فإن أقل من ستة في المئة فقط يفضلون الاستقلال في أسرع وقت ممكن، فيما تريد الأغلبية الإبقاء على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى أو اتخاذ القرار في وقت لاحق. ولقد صرح الرئيس التايواني تساي إنغ ون، من الحزب التقدمي الديمقراطي المؤيد للاستقلال، مراراً بأن تايوان لا تحتاج إلى إعلان الاستقلال لأنها دولة مستقلة بالفعل. ومع ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة أن توضح لتايوان بأن التزامها مساعدتها ليس من دون شروط ولن يشمل بالضرورة أزمة تثيرها تايبيه.
الكثير من الغموض
اختارت إدارة بايدن رسمياً الحفاظ على سياسة الغموض الاستراتيجي قديمة العهد. ولقد صرحت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز بأن الصين ستنظر إلى التحول عن هذا التقليد على أنه خطوة “مزعزعة للاستقرار بشدة”، كما جادل كيرت كامبل، منسق البيت الأبيض لمنطقة المحيطين الهندي والهادي، بأن التغيير ستكون له “جوانب سلبية كبيرة”. من ناحيته، أكد نيكولاس بيرنز، مرشح بايدن ليكون سفيراً للولايات المتحدة لدى الصين، حديثاً أن الإدارة لا تزال ملتزمة سياسة الغموض الاستراتيجي.
لكن من الناحية العملية، كان تبني إدارة بايدن الغموض الاستراتيجي أكثر غموضاً. ففي أغسطس (آب)، قال بايدن إن الولايات المتحدة لديها “الالتزام الصارم” نفسه تجاه تايوان الذي لديها تجاه حلفائها في الناتو. وبعد شهرين فقط، سُئل بايدن عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا شنت الصين هجوماً على الجزيرة؟ فأجاب قائلاً “نعم، لدينا التزام للقيام بذلك”.
لكن في كلتا الحالتين، تراجع البيت الأبيض بسرعة عن تصريحات بايدن، ما أشاع الارتباك حول الطبيعة الحقيقية لسياسة الإدارة. في غضون ذلك، اتخذت الإدارة عدداً من الخطوات التي يبدو أنها تشير إلى التزام أقوى تجاه تايوان. فحتى قبل أن يتولى بايدن منصبه، وجه دعوة لممثل تايوان في الولايات المتحدة لحضور مراسم تنصيبه، وهي المرة الأولى منذ أربعة عقود التي يوجه فيها رئيس أميركي منتخب مثل هذه الدعوة. في أيامها الأخيرة، أزالت إدارة ترمب القيود المفروضة منذ مدة طويلة على اتصالات المسؤولين الأميركيين مع نظرائهم التايوانيين. وبدلاً من التراجع عن هذا القرار، ذهبت إدارة بايدن إلى أبعد من ذلك، فأرسلت سفير الولايات المتحدة إلى بالاو في زيارة إلى تايوان، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها سفير أميركي بذلك منذ أن أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع الصين. وفي بيانات مشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع، شددت إدارة بايدن مراراً على التزامها “الراسخ” تجاه تايوان وعلى أهمية السلام والاستقرار في مضيق تايوان.
في مواجهة تضارب مواقف واشنطن، تحرك حلفاء الولايات المتحدة نحو تبني مواقف الوضوح الاستراتيجي الخاصة بهم، في محاولة على الأرجح لتشجيع واشنطن على فعل الشيء نفسه. ففي يونيو (حزيران) الماضي، صرح وزير الدفاع الياباني آنذاك، نوبو كيشي، أن “السلام والاستقرار في تايوان مرتبطان ارتباطاً مباشراً باليابان”، في إشارة إلى أن اليابان سترد على أي هجوم صيني على تايوان. من ناحيته، صرح رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بأن “خط المواجهة بين الاستبداد والديمقراطية هو آسيا، بخاصة تايوان”. كان رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، الذي لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في السياسة اليابانية، هو الأكثر حزماً على الإطلاق، حيث حذر بصراحة بأن أي “حالة طوارئ في تايوان ستكون حالة طوارئ يابانية، وبالتالي حالة طوارئ للتحالف الياباني الأميركي”. لذا لا ينبغي “للناس في بكين، ولا سيما الرئيس شي جينبينغ، أن يسيؤوا فهمهم أبداً في إدراك ذلك”.
بالنسبة إلى أستراليا، فإنها ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلن وزير الدفاع بيتر داتون علناً أنه “من غير المعقول” ألا تنضم أستراليا إلى الولايات المتحدة في الدفاع عن تايوان، وحذر من أن الرضوخ للعدوان الصيني سيؤدي إلى نظام إقليمي جديد. ويكشف هذا الدعم من اثنين من أهم حلفاء واشنطن الإقليميين عن مدى تصاعد المخاطر.
على نهج الوضوح
يجب أن تصاحب الولايات المتحدة إعلان الوضوح الاستراتيجي ببذل جهود كبيرة لإظهار قدرتها وإرادتها للتغلب على أي عدوان صيني. لكن قبل كل شيء، تحتاج واشنطن إلى جعل الاستعداد لخوض صراع بشأن تايوان أولوية قصوى لوزارة الدفاع وتعمل على تزويدها بالموارد الضرورية لذلك. هذا يعني الاستثمار في قدرات الضربة البعيدة المدى، ونقل العتاد العسكري الإضافي إلى غوام، وتحسين نطاق وفائض قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في المنطقة.
من الناحية المثالية، ستغطي إدارة بايدن هذه التكاليف الجديدة من خلال زيادة الإنفاق الدفاعي الإجمالي. وإذا لم يحدث ذلك، فإن الطريقة الوحيدة لتمويلها هي تقليص الوجود العسكري في المسارح الأخرى، وعلى رأسها أوروبا والشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن القيام بذلك لن يكون سهلاً (أو حكيماً) بالنظر إلى التحديات التي تفرضها روسيا وإيران. كل هذا يعني أن ردع الصين الأكثر قدرة قد يتطلب مزيداً من الموارد العسكرية والدبلوماسية على حد سواء.
في هذا الصدد، ستكون زيادة التنسيق مع اليابان أمراً بالغ الأهمية، نظراً إلى كونها موطناً للقواعد الأميركية الأقرب إلى تايوان، التي يتمركز فيها أكثر من 50000 جندي أميركي. يجب على الولايات المتحدة تحديث هيكل القيادة والسيطرة في اليابان، وتأسيس وجود دوري للقوات في أقصى الجزر الغربية من البلاد، ومناقشة تقسيم المسؤوليات مع اليابان في حالة نشوب نزاع عسكري على تايوان. ونظراً إلى استعداد أستراليا لاتخاذ موقف حازم بشأن هذه القضية، يجب على واشنطن أيضاً استكشاف التعاون الثلاثي مع كانبيرا وطوكيو.
لا ينبغي أن يكون هناك شك في رد أميركي قوي على أي هجوم صيني محتمل ضد تايوان
سينهك الدفاع عن تايوان الخدمات اللوجستية الأميركية بشدة، ما يتطلب من الولايات المتحدة نقل الإمدادات الحيوية بسرعة إلى المنطقة. يجب أن يبدأ البنتاغون في التدرب على هذا التحدي من خلال إجراء تمرينات منتظمة تشمل تدفق القوات إلى المنطقة ووضع إمدادات إضافية بشكل مسبق في غوام واليابان.
يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن توضح للصين بأن استخدامها القوة لن يؤدي إلى رد عسكري أميركي فحسب، بل سيعرض أيضاً النمو الاقتصادي المستمر للصين للخطر، وهو ما قد يهدد بدوره قبضة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على واشنطن وشركائها الأوروبيين وضع نظام عقوبات لفرضه في حالة وقوع هجوم صيني – ويجب أن يكشفوا عن نطاق تلك العقوبات المحتملة على الصين. يجب على الولايات المتحدة أيضاً إعداد خطة للتعويض عن العقوبات الاقتصادية التي قد تفرضها الصين نفسها على الدول التي تساعد في الدفاع عن تايوان.
وإدراكاً منها أن التحول إلى الوضوح قد يدفع الصين إلى زيادة الضغط على تايوان على المدى القصير، ينبغي للولايات المتحدة أيضاً مساعدة تايوان لكي تصبح أكثر قدرة على مقاومة ضغط الصين وهدفاً عسكرياً أصعب بالنسبة إليها. ويمكن أن يشمل ذلك مساعدة تايوان في تأمين انتخاباتها ودفاعاتها الإلكترونية ومساعدة الجزيرة على تنويع اقتصادها من خلال التفاوض معها على اتفاقية تجارة حرة. على الجبهة العسكرية، ينبغي لواشنطن الاستمرار في الضغط على تايبيه لزيادة إنفاقها الدفاعي، ومساعدة الجزيرة في تطوير قوات الاحتياط، وتقديم مبادرة المساعدة الأمنية التي من شأنها توفير التمويل الأميركي لتايوان إذا استثمرت أموالها في القدرات غير الموازية مثل الصواريخ والطائرات من دون طيار والألغام البحرية والسفن الهجومية السريعة.
في غضون ذلك، يجب على الولايات المتحدة الامتناع عن اتخاذ خطوات رمزية قد تفسرها بكين على أنها مقدمة لنهج سياسة “صين واحدة وتايوان واحدة”، التي لن تعد تايوان بشكل جوهري لمواجهة غزو أو تجعلها أكثر قدرة على تحمل الضغط الصيني. في هذا الصدد، ينبغي للسفن العسكرية الأميركية الامتناع عن زيارة المواني التايوانية، لكن ينبغي الاستمرار في التدريبات العسكرية الثنائية في جو من الهدوء. كما ينبغي للدبلوماسيين الأميركيين الاجتماع مع نظرائهم التايوانيين ولكن من دون الإعلان عن كل اجتماع أمام أنظار العالم. ويجب على أعضاء الكونغرس الامتناع عن تأكيد مصلحة الولايات المتحدة في إبقاء تايوان منفصلة عن الصين، والتأكيد بدلاً من ذلك أن أي حل للخلافات عبر المضيق يجب أن يتم بموافقة الشعب التايواني.
التكيف للحفاظ على الوضع الراهن
سواء اتبعت إدارة بايدن سياسة الوضوح الاستراتيجي أم لا، يجب ألا يكون هناك شك في أوساط الحكومة الأميركية بأنه في حال إقدام الصين على مهاجمة تايوان، فإن الولايات المتحدة سترد بقوة. إن الفشل في القيام بذلك قد يؤدي إلى تفكك شبكة التحالفات الأميركية في آسيا، وتقويض مكانة واشنطن بشكل لا رجعة فيه في المنطقة الأكثر حيوية من الناحية الاقتصادية في العالم. كما سيرى سكان تايوان البالغ عددهم 24 مليون نسمة سحق ديمقراطيتهم التي اكتسبوها بشق الأنفس. وستبتلع الصين المحور الرئيس في العالم لتصنيع أشباه الموصلات وتاسع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. من ناحية أخرى، من المرجح أن يقوم حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية إما بمراعاة الصين وإما السعي إلى الاعتماد على الذات من الناحية الاستراتيجية. ومن المرجح أيضاً أن يقوم شركاء الولايات المتحدة الناشئون، مثل الهند وفيتنام، بإجراء الحسابات نفسها. وسوف يصبح الانتشار النووي خطراً حقيقياً. سوف ينهار نفوذ الولايات المتحدة وسيعاني الاستقرار الإقليمي، وستكتسب الصين، من خلال كسر ما يسمى بسلسلة الجزر الأولى التي طوقت جيشها تقليدياً، القدرة على إبراز قوتها في جميع أنحاء غرب المحيط الهادي، لتشكل تهديداً أكثر خطورة على غوام وهاواي. إن الوقوف جانباً في وجه عدوان صيني من شأنه أن يعرض النظام الدولي الذي بنته الولايات المتحدة بشق الأنفس على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي للخطر.
بينما تحشد روسيا قواتها على حدودها مع أوكرانيا، يجدر بنا أن نتحدث عن سبب وجوب قيام الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان ولا ترسل قوات مسلحة للدفاع عن أوكرانيا. ففي كلتا المنطقتين، تعمل الجغرافيا ضد الخيارات العسكرية الأميركية، ولا ترتبط الولايات المتحدة في أي من الحالتين بالتزام أمني صارم. لكن في حالة أوكرانيا، فإن حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها ليسوا مستعدين لصد هجوم روسي ولا يتوقعون من الولايات المتحدة أن تفعل ذلك. لكن مع تايوان، يقف حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة على استعداد لمقاومة العدوان الصيني ولديهم كل الأمل والتوقعات بأن تقف الولايات المتحدة معهم لإحباط أي محاولة صينية للهيمنة الإقليمية. ونتيجة لذلك، هناك خيارات عسكرية قابلة للتطبيق.
بطبيعة الحال، ستكون الحرب مع الصين على تايوان كارثية حتى لو تم التصدي للصين. ولهذا السبب، على الرغم من الإحباط المتزايد في بعض الأوساط من رفض الولايات المتحدة إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان، يجب على واشنطن أن تتجنب الدعوات لمعاملة تايوان كدولة ذات سيادة التي من شأنها أن تقود إلى حرب. من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين يجادلون بأن الولايات المتحدة يجب أن تفك ارتباطها بتايوان لا يدركون في كثير من الأحيان كيف ستبدو عليه المنطقة -والعالم- في اليوم التالي للاستيلاء الصيني القسري على تايوان.
إن ردع الحرب هو الخيار الأفضل حتى الآن، وهذه طريقة أخرى للقول بأن الولايات المتحدة يجب أن تسعى للحفاظ على الوضع الراهن. ومع ذلك، فإن الوضع الراهن ليس ثابتاً، وتحتاج واشنطن إلى تغيير مسارها من أجل الحفاظ عليه. لقد كان الغموض الاستراتيجي نهجاً ذكياً وفعالاً لعقود من الزمن، لكن صلاحيته قد انتهت الآن. إن الوضوح بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه تايوان سيدفع بعض صانعي السياسة الأميركيين للخروج من حالة المواقف المريحة لهم، لكنه الطريقة الوحيدة لتعزيز الردع وطمأنة الحلفاء والدفاع عن تايوان وحماية المصالح الأميركية. لقد حان الوقت للوضوح بشأن الوضوح.
ريتشارد هاس هو رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب “العالم: مقدمة موجزة”.
ديفيد ساكس زميل باحث في مجلس العلاقات الخارجية.