دراسات الحربرصد وتقييم المؤشراتشؤون استراتيجية

العراق.. مرحلة جديدة من محاربة “داعش” – الدكتور مهند العزاوي

بحوث ودراسات -العراق - محاربة داعش

قدم الدكتور مهند العزاوي رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية ( صقر للدراسات) ورقة بحثية في اكتوبر 2021 بعنوان ” العراق.. مرحلة جديدة من محاربة “داعش” لمركز تريندز للبحوث والاستشارات ، وتضمنت رؤى وحلول واساليب ، وبعد عام ونصف نرى من الضروري اعادة نشرها على موقعنا للمعرفة

أكتوبر 2021

العراق.. مرحلة جديدة من محاربة “داعش”

د. مهند العزاوي
باحث وخبير متخصص في الشؤون العراقية
مقدمة:

أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي، برهم صالح، في 28 أغسطس 2021، التزام حكومة الولايات المتحدة طويل المدى بـ”عراق قوي ومستقر ومزدهر” يعتمد على “شراكة طويلة المدى وعميقة ومتعددة الجوانب، وأن (مهمة دحر “داعش” لم تنجز بعد، بل تتجه نحو مرحلة جديدة، تعتمد على القدرات المعززة لقوات الأمن العراقية). كما تعهد بلينكن بأن الولايات المتحدة بصفتها قائد التحالف الدولي ضد “داعش”، وجزءاً من مهمة حلف الناتو في العراق ستواصل تقديم خدمات التدريب والاستشارة والدعم إلى القوات العراقية[1].

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكد أن الولايات المتحدة ستنهي مهمتها القتالية في العراق مع حلول نهاية العام الجاري، مع استمرار عدد من قواتها في مهام تدريب الجيش العراقي، وإمداده بالاستشارات العسكرية[2].

وجاءت هذه التصريحات، فيما أشار مسؤولون أمريكيون في مكافحة الإرهاب؛ إلى أن تنظيم داعش مازال يمثل خطراً وتهديداً حقيقياً، حيث يحتفظ بما لا يقل عن 14 ألف مقاتل في العراق وسوريا. ووفقاً لمؤشرات على أرض الواقع وتصريحات حكومية عراقية، فقد لوحظ مؤخراً نشاط للتنظيم في مناطق حيوية ومهمة في العراق، كمحافظات ديالى وكركوك والأنبار ونينوى وصلاح الدين، كما برزت مخاوف من عودة التنظيم إلى الواجهة بعد الأحداث التي جرت في أفغانستان، بالرغم من الاختلاف النسبي في بيئة البلدين.

وستحاول هذه الورقة تسليط الضوء على أسباب وتداعيات عودة نشاط “تنظيم داعش” في العراق بهجمات دموية، خصوصاً وأن فرعه في أفغانستان “داعش – خراسان” قد عاد إلى الساحة الأفغانية مرة أخرى في ظل التوترات الأمنية والعسكرية التي تشهدها العاصمة الأفغانية كابل عقب الانسحاب الأمريكي من البلاد.

أولاً: السياسات الخاطئة وظهور التنظيمات الإرهابية في العراق

كما هو معروف، تمكن الإرهاب من التغلغل في العراق بعد غزوه في عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتفكيك مؤسسات الدولة العراقية، وقواتها المسلحة، التي حافظت على التماسك الوطني والقومي، ليصار إلى الاعتماد على سياسة الأكثرية الطائفية، بدلاً من الأكثرية الوطنية في إعادة تشكيل البلاد؛ ما انعكس سلبياً على صياغة هوية الدولة الوطنية، والتركيبة المؤسسية والوظيفية.

وكان من إفرازات الاحتلال الأمريكي أن أصبحت عملية إعادة ترميم الدولة بطيئة ومتعثرة، خاصة بعد إقصاء الطبقة الوسطى ذات الخبرة في العمل الحكومي، تنفيذاً لقانون اجتثاث البعث[3]. وقد أفسح إقصاء قيادات عسكرية وأمنية ذات خبرات احترافية متراكمة المجال لانتشار الفصائل والميليشيات المسلحة، وأفضى كذلك إلى انتشار العنف على نحو غير مسبوق مستهدفاً البنى التحتية المجتمعية، كما انتهك المحددات الوطنية التي رسمتها الدولة المدنية العراقية منذ تأسيسها عام 1921.

وبعد مضي 18 عاماً على تشكيل النظام السياسي الجديد ذي الأغلبية الإسلامية الشيعية، لم تتمكن المؤسسات الأمنية المتعددة من حسم ملف الإرهاب، بسبب استخدام الحكومات المتعاقبة الطائفية منطلقاً لمقارباتها الحركية؛ ما انعكس سلبياً على الوحدة الوطنية، وقد شهد العراق حرباً طائفية عام 2006، لاتزال مشاهدها عالقة بالأذهان بما أفرزته من خرق للقيم الإنسانية والوطنية والأخلاقية.

وتأسيساً على ما تقدم، نشطت التنظيمات الإرهابية في العراق في عام 2004، بالتزامن مع بروز ميليشيات شيعية وافدة ومحلية، مثل ميليشيا “بدر” و”جيش المهدي” إضافة الى الأجنحة العسكرية للأحزاب الشيعية العراقية. وفي ظل هذا الموقف المضطرب، افتقر العراق في حينها إلى منظومة أمن قومي وطنية محترفة، تشخص التهديدات الاستراتيجية المطلة برأسها على البيئة الاستراتيجية العراقية، فضلاً عن غياب الهدف السياسي ووحدة الرؤية الأمنية، آنذاك، مما سهل ظهور “تنظيم القاعدة في العراق” بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي[4]، الذي قُتل بغارة أمريكية عام 2006 بالقرب من مدينة بعقوبة، في محافظة ديالى شمال شرقي بغداد.

وقد تمكن التنظيم من التواجد في المناطق السنّية من خلال سياسة التوحش والبطش ضد الرافضين لوجوده، فأوغل في قتل وترويع السكان والنخب المدنية والعسكرية في تلك المناطق، ولم تستطع القوات الأمريكية والعراقية إيقافه أو القضاء عليه، وتشير التقارير الى أنه كانت هناك تسهيلات إقليمية – وبالتحديد إيرانية – قُدمت للتنظيم، بغية تعزيز الفوضى بالعراق[5].

ولاشك أن سوء إدارة السياسة العراقية وارتكازها على الطائفية أسهم في انتشار العنف وظهور التنظيمات الإرهابية في البلاد، وهو ما بدا واضحاً خلال عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حيث تصاعدت أجواء الاقتتال الطائفي، وتزايدت وتيرة التفجيرات الإرهابية ناهيك عن قمع الحريات وتكميم الأفواه، وانتشار الفساد، وقد حمّلته الجهات الوطنية مسؤولية ضياع الموازنات المالية الكبيرة والتأسيس لمنظومة الفساد المالي والإداري.

وبرغم أن تأسيس مجالس الصحوات من قبل العشائر السنية عام 2006، التي وصل عدد مقاتليها نحو 80 ألف مقاتل، قد ساعد في طرد تنظيم القاعدة من مناطق الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل، وفي تحقيق استقرار أمني ملموس – برغم ذلك فإن السياسات الحكومية الخاطئة لعبت مرة أخرى دوراً في تقليص وجود هذه الصحوات مما ساعد في عودة تنظيمات الإرهاب مرة أخرى.

فقد أسرعت الحكومة العراقية إلى تفكيك مجالس الصحوات السنية عام 2011، دون مبرر منطقي، وقد أسهم هذا القرار في ظهور تنظيم داعش في العراق، إذ إن بقاء هذه المجالس كان من شأنه المساعدة في عدم ظهور التنظيم مرة أخرى، ومنعه من السيطرة على أربع محافظات عراقية، بعد أن تعرضت القوات النظامية للصدمة وفقدان السيطرة حينذاك.

ثانياً: ظهور “داعش” واستراتيجيته في العراق

خلال الأعوام 2011-2013 شهدت بغداد والمدن الشمالية والغربية احتجاجات شعبية واسعة لتعديل المسار السياسي والحكومي، والذهاب باتجاه تعزيز الهوية الوطنية للدولة، بدلاً من أسلمتها، وواجهتها الحكومة العراقية آنذاك بالقمع والقوة المفرطة، إذ شهدت هذه المرحلة تصاعد التأثير الإيراني في عملية صنع القرار، بالتزامن مع إرسال فصائل مسلحة عراقية للقتال في سوريا، واستخدام المسرح الجيو-عسكري العراقي لإحكام الاتصال الحربي مع سوريا ولبنان، لتعلن العديد من الميليشيات الشيعية الطائفية ولاءها الكامل لمبدأ ولاية الفقيه وتأكيد التزامها بالمصالح الإيرانية في العراق والمنطقة، والعمل بحسب توجيهات طهران وسياساتها.

وفي خضم هذه الظروف المضطربة لاحت في الأفق الاستراتيجي سيناريوهات خطيرة، تمس مستقبل العراق ووحدة أراضيه وسيادته، وخاصة بعد التحولات التي شهدها تنظيم القاعدة[6] بعد مقتل الزرقاوي، حتى إعلان قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في كل من العراق وسوريا بزعامة أبو بكر البغدادي.

ومع إعلان قيام (داعش) لوحظ حدوث تحول في استراتيجية العمليات العسكرية التي اتبعها التنظيم في اتجاه العمل بهدف السيطرة على أراضٍ حيوية ومهمة في دول مهمة استراتيجية كالعراق سوريا، والسعي إلى استقطاب الكثير من الأجانب، ضمن حملة تجنيد كبرى، عبر وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية؛ ما يطرح تساؤلات حول الكيفية التي تمت بها هذه الحملة، والترتيبات اللوجستية المنتظمة في إيصال المقاتلين الأجانب الى العراق وسوريا في أغسطس عام 2014، وفي هذا الصدد، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد مقاتلي التنظيم قد بلغ 50000 مقاتل في سوريا و30000 في العراق[7]، بينما قال لاديمير فورونكوف ، وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، إن أكثر من 40 ألف مقاتل إرهابي أجنبي من 110 دول سافر للانضمام إلى الصراع في سوريا والعراق[8]؛ وعلى أثر هذا التحول تمكن التنظيم عام 2014 بحسب تقديرات مؤسسة RAND من الاستيلاء على مناطق تزيد مساحتها عن100,000 كيلومتر مربع، يقطنها أكثر من 11 مليون نسمة تقع غالبيتها في العراق وسوريا[9].

وفي ظل هذه الاستراتيجية تمكن التنظيم في الحادي عشر من يوليو 2014 من السيطرة على مدينة الموصل بالكامل، وهي ثاني أكبر المدن العراقية من حيث التعداد السكاني، وتمتاز بخصائص استراتيجية تجعل من الصعب التفريط بها؛ حتى أنه لايزال سقوط الموصل محاطاً بالغموض، بعد الانهيار السريع للقوات العراقية أمام المئات من مقاتلي التنظيم[10]، فقد فقدت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي الذي كان وزيراً للدفاع والداخلية وقائداً للجيش، أهم محافظة عراقية بعد بغداد، فيما تقدم التنظيم جنوباً نحو المحافظات المتاخمة، وصولاً الى ضواحي بغداد وديالى، دون مصدات قتالية حكومية.

ويرجع البعض أحد أسباب هذا الانهيار إلى ما قام به المالكي بعد عام 2011 من عمليات إقصاء لقيادات الجيش من السنّة والأكراد؛ مما أفقد المؤسسة العسكرية عدداً من الخبرات والكفاءات العسكرية، فضلاً عن الفساد وسوء التقدير الذي أدى إلى إضعاف الجيش العراقي[11].

وعلى إثر تطور الأحداث، سارع المالكي بطلب المساعدة من الولايات المتحدة للتصدي للتنظيم، وتشكل “التحالف الدولي ضد داعش” في سبتمبر 2014[12]، الذي التزم بدحر التنظيم وإلحاق الهزيمة به، والتصدي له في كافة الجبهات، والعمل على هدم شبكاته والوقوف أمام طموحاته بالتوسع العالمي، ومواجهة بنيته التحتية المالية والاقتصادية وعرقلتها، والتصدي لتدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار، وإعادة الخدمات العامة الأساسية للمناطق المحررة من قبضته، وقد تسبب النزاع الذي أحدثه التنظيم في العراق في فرار أكثر من 5 ملايين عراقي من ديارهم، وفي تدمير المدارس، وتعطيل المستشفيات؛ ما أحدث موجات من الصدمة سادت البلاد بأسرها[13].

وفي أكتوبر 2016، انطلقت عمليات تحرير المحافظات من “داعش” وشارك فيها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وفي ديسمبر 2017 أعلن العراق تحرير كامل أراضيه من قبضة التنظيم، وعند تحليل المعركة من النواحي العسكرية، تبرز أمامنا نقاط مبهمة تتعلق، بتعقب “داعش”، والقبض على القيادات الرئيسية والثانوية، وقلة جثث القتلى قياساً بالعدد المثبت لدى الحكومة، واستخدام سياسة الطوق المفتوح التي سمحت بهروب مسلحي التنظيم صوب سوريا، بدلاً من مطاردتهم وإلقاء القبض عليهم.

ثالثاً: عودة “داعش” واستراتيجية العراق في مواجهته

برغم إعلان الحكومة العراقية عام 2017 سيطرتها على الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، فإن التنظيم سرعان ما عاد مرة أخرى، ولكن وفق استراتيجية مختلفة.

ومن خلال متابعة شكل العمليات التي نفذها التنظيم خلال هذه المرحلة، سواء باستخدام الخلايا الخاملة، أو من خلال المجاميع التي تدخل عبر الحدود السورية[14]، التي كانت ولاتزال ممراً لها، فإن من الواضح أن التنظيم قد عاد إلى استراتيجية (حرب العصابات)، التي سبق أن اعتمدها “تنظيم القاعدة” باستغلال النقاط الواهنة، واختراق الحدود المشتركة بين القوات العراقية، وحرس حدود إقليم كردستان، وكذلك المناطق ذات المسؤولية المشتركة بين الحشد الشعبي والجيش والشرطة.

ومن المرجح، أن التنظيم قد تمكن عام 2017 – عام إعلان هزيمته – من الاحتفاظ بموارده البشرية والمالية، واستطاع إخفاءها ليستخدمها من جديد، وهو ما يبدو واضحاً سواءً في العمليات التي ينفذها من آن لآخر، أو إعلانات السلطات العراقية المتكررة عن إلقاء القبض على بعض عناصره.

فقد أعلن جهار مكافحة الإرهاب العراقي في 31 يوليو 2021 عن مقتل “أبو سعد السمين” أحد أمراء التنظيم في عملية أمنية شرقي البلاد[15]، سبقها اعتقال 20 داعشياً، بينهم قياديون بارزون في التنظيم، في حملات ومداهمات أمنية، امتدت من بغداد إلى الأنبار وديالى وصلاح الدين، وصولاً إلى السليمانية[16].

كما أفادت خلية الإعلام الأمني في العراق في 29 أغسطس 2021، بأن وكالة الاستخبارات قد قتلت اثنين من قادة “داعش”، واعتقلت ثالثاً شمال شرقي محافظة ديالى، كما أطلقت قوات حرس الحدود العراقية في 31 من الشهر نفسه عملية أمنية في 3 محاور على الشريط الحدودي مع سوريا بمشاركة الحشد الشعبي والجيش العراقي وبإسناد من طيران الجيش العراقي[17].

ولو ناقشنا العوامل المتعلقة بعودة “تنظيم داعش” إلى العراق، فإن هناك بعض المؤشرات العملياتية التي تشير إلى نشاط واضح في عملياته الإرهابية، حيث تعرض للقوات العراقية ولبعض ألوية الحشد الشعبي في مناطق مسؤوليتها ضمن محافظتي ديالى وصلاح الدين خلال الأشهر الست الأخيرة، قابلتها إجراءات وقائية للقوات العراقية، لإجهاض أي تمركز للتنظيم في أي منطقة كانت. ويلاحظ أن نطاق نشاط التنظيم ينحصر في جغرافية حبيسة أو شبه حبيسة[18] ذات أهمية استراتيجية في محافظتي ديالى، وصلاح الدين اللتين تشكلان عصب المواصلات الاستراتيجي الرابط بين الشرق الإيراني والغرب السوري الأردني والمتوسطي.

ويعتمد العراق في محاربة “داعش” على أربعة موارد عسكرية رئيسية؛ متمثلة في قوات النخبة “جهاز مكافحة الإرهاب العراقي”، والجيش العراقي المكون من قيادات تشغل المسرح العسكري في (بغداد، البصرة، نينوى، الجزيرة، البادية، الأنبار، صلاح الدين، شرق الأنبار، الرافدين، دجلة، حرس الحدود)، وقوات وزارة الداخلية كالشرطة الاتحادية والتدخل السريع وأفواج مستقلة، وكذلك الحشد الشعبي المؤلف من 67 فصيلاً [19].

وقد اكتسبت تلك القوات خبرة في محاربة الإرهاب خلال السنوات الماضية، وبالرغم من اختلاف السياقات العسكرية لكل قوة فإنها ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، وقد قدمت لها الولايات المتحدة الأمريكية الدعم المالي والعسكري والعملياتي والتدريب، فضلاً عن التقنيات الحربية الحديثة المتعلقة بحرب المعلومات، والتقصي والتحليل لمحاربة “داعش”، كما قدم حلف شمال الأطلسي ذات المساعدات للقوات العراقية.

وبحلول نهاية العام الحالي، ستنسحب جميع القوات القتالية الأمريكية من العراق، بحسب اتفاق “الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق”؛ ومن ثم ستكون هناك مرحلة جديدة في مواجهة تنظيم داعش يتم الاعتماد فيها على تطوير عمل القوات المسلحة العراقية؛ من خلال تدريب القوات العراقية وتأهيلها للعمل تحت الظروف الصعبة، والتركيز على استخدام قوات خفيفة للرد السريع وضمان سرعة الاستجابة ضد العمليات التعرضية التي يشنها التنظيم، بالإضافة إلى تعزيز قدرات الاستخبارات والمعلومات، وتطوير آليات وقدرات الإسناد الجوي، وذلك كله بهدف حرمان التنظيم من تأسيس ملاذات آمنة أو احتلال مناطق وقصبات جديدة في المدن العراقية.

الخاتمة
على ضوء ما تقدم من مناقشة العوامل المتعلقة بنشاط تنظيم “داعش” في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، وسياق محاربته من قبل الحكومة العراقية، واحتمالية توقف التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الذي تترأسه الولايات المتحدة عن تقديم الإسناد الجوي والمعلومات والتدريب في حال الانسحاب النهائي من العراق، يبرز تساؤل مهماً حول مدى إمكانية أن يستغل التنظيم هذه الظروف ليعود كما كان عام 2014 حينما سيطر على مساحات واسعة في العراق.

وبرغم عودة التنظيم إلى شن بعض العمليات في العراق إلا أنه ليس من المرجح أن يتكرر ما حدث في عام 2014، وذلك لعدة أسباب؛ أولها أن الحكومة العراقية يمكنها الاستفادة من وجود حزب الناتو في البلاد خاصة بعد زيادة حجم “بعثة “الناتو” في العراق” من 500 فرد إلى ما يصل إلى 4,000 [20]، بالإضافة إلى أن العراق بات يملك خبرة واسعة في قتال التنظيمات الإرهابية، ووفرة في الموارد البشرية والقطعات العسكرية بما فيها القوات ذات التسليح الخفيف التي تتمتع بمرونة الحركة، فضلاً عن انحسار نشاط التنظيم في مناطق حبيسة يمكن للقوات العراقية محاصرتها والقضاء عليها. وبذلك فإنه من المستبعد أن يتمكن التنظيم من فرض سيطرته على مناطق كبيرة في العراق مرة أخرى ما لم تتغير الظروف.

المراجع

[1] . “بلينكن للرئيس العراقي: مهمة محاربة “داعش” لم تنجز بل تنتقل لمرحلة جديدة”، روسيا اليوم، 29 أغسطس 2021 https://bit.ly/2Z1Rxo6

[2] . “جو بايدن يعلن “انتهاء المهمة القتالية” للقوات الأمريكية في العراق مع حلول نهاية العام الحالي”، بي بي سي، 26 يوليو 2021، https://bbc.in/3hLxXmM

[3] . بحسب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 1 الذي دخل حيز النفاذ في 16 مايو 2003، فقد أُعلن أنه سيتم استبعاد جميع العاملين في القطاع العام المنتسبين لحزب البعث ومتقلدي الرتب الأربع الأولى في عضوية الحزب باعتبارهم “كبار أعضاء الحزب” وجميع الأفراد من الطبقات الإدارية العليا الثلاث (المدير العام فما فوق ممن انضموا لعضوية الحزب على أي مستوى). انظر في ذلك: ميراندا سيسونز وعبدالرزاق الساعدي، “إرث مر.. دروس من عملية اجتثاث البعث في العراق 2004-2012″، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مارس 2013، ص14، https://bit.ly/2XuFrD8

[4] . أسس الأردني أبو مصعب الزرقاوي في عام 1999 تنظيماً إرهابياً باسم جماعة (التوحيد والجهاد) وبدأت أعماله الإرهابية في العراق اعتباراً من أغسطس 2003 ، وذلك بعد خمسة أشهر من غزو الولايات المتحدة للبلاد ، وبعد وقتٍ قصير؛ بايعت المجموعة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في أكتوبر 2004 ثم غيرت اسمها رسمياً إلى “تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، وحسب بعض وسائل الإعلام الغربية؛ فإن المقاتلون الأجانب قد واصلوا تدفقهم إلى العراق من أجل الالتحاق بصفوف تنظيم القاعدة هناك، وبحلول 2006 أعلن الزرقاوي، تأسيس “مجلس شورى المجاهدين” وقتل في نفس العام من قبل القوات الأمريكية .

[5] . يكشف كتاب (رجال القاعدة في إيران.. الملاذ الآمن والتحالف المشبوه) مكوث الزرقاوي في إيران مدة سنتين قبل مغادرته إلى العراق وهو ما ذكره قاسم سليماني الذي تحدث في جلسة سرية أمام مركز للدراسات عن تسهيلات قدمتها إيران للجماعة المتطرفة مبرراً ذلك بأن أهداف الزرقاوي في العراق تخدم المصالح العليا لإيران، انظر في ذلك: عبدالرحمن موسى، “القاعدة وإيران.. علاقة متأصلة وتاريخ مشبوه”، موقع أخبار الآن، https://bit.ly/2Y4URig

[6] . بعد مقتل مصعب الزرقاوي في عام 2006، وتعيين أبو أيوب المصري خلفاً له، قرر المصري حل تنظيم القاعدة في العراق وتأسيس الدولة الإسلامية في عام 2006، وبعد انضمام مجلس شورى المجاهدين إلى “الدولة الإسلامية” في العام نفسه، تم اختيار أبو عمر البغدادي لزعامة التنظيم الجديد تحت اسم “دولة العراق الإسلامية”. وعقب مقتله في يوم 18 إبريل 2010، تولى أبو بكر البغدادي قيادة التنظيم، حيث استغل الاضطرابات في سوريا لإنشاء فرع للتنظيم في سوريا في عام 2011 إلى أن أعلن تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” عام 2013. انظر: ماهر فرغلي، “داعش من التمكين إلى الانتشار.. البناء الثالث”، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 15 ديسمبر 2020، https://bit.ly/3DmakcX

[7]. Islamic State ‘has 50,000 fighters in Syria’, Aljazeera, 19 Aug 2014, https://bit.ly/39YZkWb

[8] . The United Nations has said that more than 40,000 foreign fighters from 110 countries may have travelled to Syria and Iraq to join terrorist groups – https://www.un.org/press/en/2017/sc13097.doc.htm

[9] . سيث ج. جونز وآخرون، “دحر تنظيم الدول الإسلامية”، مؤسسة راند الأمريكية، 2017، RAND_RR1912z1.arabic.pdf

[10]. “ليلة الاستيلاء على الموصل وخريطة القوى”، العربية نت، 13 يونيو 2014، https://bit.ly/3tRIx0g

[11] . هاني فؤاد الفراش، “بالخرائط.. كيف سقطت الموصل؟ ومن المسؤول”؟، الحرة، 20 نوفمبر 2014، https://arbne.ws/3tWfk4f

[12]. أنظر موقع التحالف الدولي، على الرابط التالي: https://bit.ly/2YHkZjm

[13] . دراسة مجموعة البنك الدولي، “العراق.. إعادة الإعمار، الجزء الثاني، الاستثمار تقييم االضرار والاحتياجات للمحافظات المتضررة، يناير 2018: World Bank Document

[14] . “الاستخبارات.. تحبط محاولة تهريب أسلحة وأعتدة إلى داخل العراق قادمة من دول الجوار”، سكاي برس 21 نوفمبر 2020، https://bit.ly/3DbAyyH

[15] . “جهاز مكافحة الإرهاب العراقي يقتل أبو سعد السمين أحد أمراء داعش”، روسيا اليوم ،31 يوليو 2021 https://bit.ly/39iPAFR

[16] . “بينهم قياديون.. العراق يستهدف خلايا داعش النائمة”، سكاي نيوز عربية، 29 يوليو 2021، https://bit.ly/39ld4tO

[17] . “العراق يطلق عملية أمنية على الشريط الحدودي مع سوريا“، العربية نت،31 أغسطس 2021، https://bit.ly/3kkNuLS

[18] . مناطق مغلقة دون منافذ خارجية ضمن سياق التهديد باستثناء الحدود الشرقية مع إيران.

[19] . أصدر المرجع الديني الشيعي آية الله علي السيستاني في أوائل يونيو 2014، فتوى تدعو كل من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي تنظيم داعش، وتجيز التعبئة الشعبية لدرء خطر هذا التنظيم، وهو ما وصف فقهياً بـ “الجهاد الكفائي”.

[20] . مايكل نايتس، “حلف الناتو في العراق: هذه ليست طفرة”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 5 مارس 2021، https://bit.ly/3isLxvB

العراق.. مرحلة جديدة من محاربة “داعش”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى