رصد وتقييم المؤشراتشؤون استراتيجية

صقر للدراسات – تقرير حالة – قراءة في موازنة العراق 2023

 صقر للدراسات -العراق – داخلي

صقر للدراسات – تقرير حالة – قراءة في موازنة العراق 2023

 صقر للدراسات -العراق – داخلي

02‏ أيار‏، 2023

يعاني العراق على مدى عقدين من أزمات اقتصادية ومالية مركبة ناتجة من سوء إدارة الموارد والثروات، تردي الأداء السياسي ، وغياب التخطيط الاستراتيجي السليم ، والتوظيف المحكم لراس المال البشري والمالي والمادي للدولة العراقية ؛ التي تعاني أصلا من فقدان اليات العمل وسياقات العمل الثابتة ذات الإرث الإداري والتنظيمي ومرتكزات الدولة منذ تأسيسها 1921، واستخدام قوالب جاهزة منقولة من دول أخرى تختلف بيئتها الاستراتيجية عن بيئة العراق وأثبتت فشلها.

الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين

نشرت  مؤسسة “عراق المستقبل” المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية تقريرا يشير الى ان العراق يعد الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة ؛ بالاعتماد على دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة ، وقال رئيس المؤسسة “منار العبيدي” إن نسبة العاملين في القطاع الحكومي بالعراق بلغت 37% بين مجموعة دول شملتها الدراسة، إذ يعتبر القطاع الحكومي الأكثر ضغطا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية ، نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يزيد من الضغط على القطاع العام[1]، وفي الحقيقة رغم ما ذكره التقرير من ارقام ربما هناك ارقام صادمة بعدد الموظفين الوهميين ( الفضائيين) في المؤسسات وكذلك البطالة المقنعة وجود اكثر من موظف في قسم او دائرة لا تحتاج الى تلك الاعداد ، فضلا عن الوعود الانتخابية وحوافز التوظيف من قبل الأحزاب والسياسيين مما اثقل كاهل مؤسسات الدولة وترهل نظامها الإداري .

الإحصائيات عن أعداد الموظفين بالعراق غير دقيقة

يشير الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش في ذات التقرير للجزيرة ، إلى أن الإحصائيات عن أعداد الموظفين بالعراق غير دقيقة، بيد أن المعلن يؤكد وجود ما يقرب من 2.5 مليون موظف في القطاع العام المدني، إضافة إلى 1.75 مليون موظف في الأجهزة الأمنية التي تشمل وزارتي الدفاع والداخلية ومكافحة الإرهاب والمخابرات وغيرها، وبالتالي فإن في العراق ما يقرب من 4.5 ملايين موظف حكومي ، وهناك نحو 3.5 ملايين عراقي يتقاضون رواتب تقاعدية من الدولة، وأن ما يقرب من 1.5 مليون عراقي يتقاضون رواتب ضمن ما يعرف بالرعاية الاجتماعية (رواتب شهرية تمنحها وزارة العمل للعوائل الفقيرة)، وبالتالي فإن مجموع العراقيين الذين يتقاضون رواتب شهرية من الدولة يقدر بـ 9.5 ملايين عراقي يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة (موظفون ومتقاعدون وذوو الرعاية الاجتماعية)، وهو ما قد يشكل نسبة 23% من سكان العراق الذي تقدر وزارة التخطيط عدد سكانه بنحو 42 مليون نسمة.

ملاحظات حول قانون الموازنة لعام 2023

يثار الجدل عبر وسائل الاعلام حول الميزانية العراقية الجديدة لثلاث سنوات، وقد وافق مجلس الوزراء العراقي، في 13 آذار الماضي على مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد لعام 2023، وأحاله إلى مجلس النواب للاطلاع وإبداء الرأي قبل المصادقة عليه، وتحويله إلى رئيس الجمهورية.[2]وذكر المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الوزراء في بيان، أن “مجلس الوزراء وافق على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023 و2024 و2025.

تفاصيل رقمية

ستبلغ كميات صادرات النفط الخام في موازنة 2023، نحو 3.5 ملايين برميل يومياً منها 400 ألف برميل يوميا عن طريق إقليم كردستان. وقد بين مسؤول عراقي معني بالأمر، أن “الإيرادات النفطية تبلغ 117.252 ترليون دينار (90.9 مليار دولار)، فيما تبلغ الإيرادات غير النفطية 17.301 تريلون دينار (13.3 مليار دولار)”.وأن “إجمالي النفقات المقترحة 197.828 تريلون دينار (152.2 مليار دولار أمريكي)، والمشاريع الاستثمارية 47.555 تريليون دينار (36.6 مليار دولار)، وبعجز مقداره 48.5 مليار دولار ،

ولفت الخبير الاقتصادي العراقي “عبد الرحمن المشهداني” إلى أن الموازنة العامة الجديدة شملت مخصصات التعيينات الجديدة، وتعد تلك الموازنة هي الأكبر في تاريخ العراق، حيث وصلت إلى 197 تريليون دينار أي ما يعادل تقريبا (150 مليار دولار)، شكلت النفقات التشغيلية منها 75 بالمئة[3]، كما شملت الموازنة صندوق للتنمية وخصص له تريليون دينار فقط لتنمية قطاع الإسكان والمدارس، وانتقد خبراء ونواب ارتفاع الموازنة التشغيلية بما يؤسس لازمات مالية واقتصادية لاحقا، ومن الاجدر معالجة الترهل الوظيفي وترشيق المؤسسات الحكومية ودمج البعض منها، لاسيما ان العراق حتى الان لم يعزز الناتج المحلي بالزراعة والصناعات المختلفة .

موازنة انفجارية وأرقاما مبالغة

يرى الخبير الاقتصادي العراقي “عمر الحلبوسي” ان  الموازنة العامة التي صوت مجلس الوزراء العراقي على قانونها تعد كارثة بكل المقاييس وقد خالفت القواعد المالية، وأهم قاعدة هي سنوية الموازنة، فضلا عن أنها تعد أكبر موازنة عامة بتاريخ العراق كونها موازنة انفجارية تضم أرقاما مبالغ فيها

ويشكل العجز فيها 63 تريليون و275 مليار دينار لعام واحد فقط ، وهو رقم كبير جدا سوف يحتم في النهاية على الحكومة القيام بالاقتراض الداخلي والخارجي مما يعني مزيدا من الديون علما أن ديون العراق الداخلية والخارجية تبلغ أكثر من 110 مليار دولار ، ويضاف لها ما سيتم اقتراضه ، وهو ما حذر منه أيضا الخبير الاقتصادي همام الشماع عبر قناة الرشيد العراقية،  كما أن تحديد سعر برميل النفط في الموازنة بـ(70 دولار) خطأ كبير في ظل التراجع الحاد في أسعار النفط والتقلبات التي يشهدها الطلب والاسعار النفطية، إذ أنه كلما انخفضت أسعار النفط فاقمت أزمات العراق الذي يعتمد على النفط كمصدر رئيسي لتمويل الموازنة، وهذا أيضا ذكرته النائبة السابقة ماجدة التميمي لبرنامج البوصلة.

وأكد الخبير الاقتصادي العراقي “عمر الحلبوسي” أن، عملية إقرار موازنة بهذا القدر الفظيع في ظل التقلبات الاقتصادية والمالية الدولية ولمدة ثلاث أعوام تعد خطأ فادح ، كون الموازنة تعتمد على التوقعات والتنبؤات التقديرية، وكلما طالت المدة الزمنية احتملت الخطأ واصبحت خطرا على البلد، يضاف لها انعدام الصناعة والزراعة في العراق وغياب الاستقرار المالي والاقتصادي، كل ذلك سوف يسهم في النهاية في تكون العجز الثلاثي (عجز في الميزان التجاري وعجز في ميزان المدفوعات يضاف له عجز مالي متحقق في الموازنة العامة)، مما يعني في النهاية تراجع في قيمة الدينار العراقي وسط زيادة الطلب الذي سوف يسهم في ارتفاع التضخم، لذا فإن الموازنة العامة لم تتجاوز النقاط الخلافية، بل سيبقى الصراع دائرا حول نيل المكاسب بين الأحزاب الحاكمة وسيزداد الصراع أكثر عندما تنخفض أسعار النفط، وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي الكبير همام الشماع عبر قناة الرشيد في لقاء له عن الميزانية.

الموازنة وقانون الإدارة المالية

بينت النائبة السابقة ماجدة التميمي عدد من الملاحظات حول الموازنة في برنامج البوصلة الذي يقدمه الإعلامي الكبير محمد السيد محسن[4] في 1 أيار 2023 ، حول تأخير تقديم الموازنة حيث نصت المادة (11) من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019 “ان تقدم الموازنة الى مجلس النواب في منتصف شهر تشرين الأول من كل سنة” بينما تم ارسالها في منتصف شهر اذار المنصرم، مما يفقد الموازنة الزمن والوقت ونظرا لطول فترة النقاش والمصادقة من البرلمان ورئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية، وقد يتخطى شهر حزيران الحالي، كما وأشارت النائبة الى عدم تقديم المرفقات المستندية للنفقات الفعلية لقانون الدعم الطارئ الرقم (2) لسنة 2022 وعدم وجود جداول تفصيلية للمصروفات والمتبقي منها وتقرير من وزارة المالية عن السلف المتراكمة ، وتقصد النائبة هنا بالإجراءات التقليدية والرقابة المالية وابواب الصرف، وكذلك عدم وجود تقارير لوزارة النفط والتخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية والتجارة والبنك المركزي يوضح كل منهم فيها التفاصيل المطلوبة المتعلقة بوزارته في الموازنة.

وأكدت النائبة التميمي ان احتساب متوسط سعر برميل النفط 70 دولار غير موفق ويفترض ان يحتسب 60-65 دولار تحسبا لتقلبات السوق والطلب، وبينت النائبة ماجدة التميمي ارتفاع في اجمالي النفقات المخمنة في موازنة 2023 مقارنة بموازنة 2021، بنسبة ارتفاع 93%

قفزة كبيرة في حجم القوى العاملة

وأكدت النائبة السابقة ماجدة التميمي وجود قفزة كبيرة في حجم القوى العاملة في قانون موازنة 2023-2024-2025، حيث بلغ مجموع الدرجات المستحدثة للمفسوخة عقودهم (106،518) درجة  وكما يلي:

  1. وزارة الدفاع – 37،588
  2. هيئة الحشد الشعبي – 35،375
  3. وزارة الداخلية – 29,808
  4. توزعت ما يقارب 3000 ألف درجة على جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز الامن الوطني ومستشارية الامن القومي.

خلاصة

اصبح من الواضح ان الدولة العراقية تحتاج الى تحديث الإجراءات التنفيذية والرقابية وإعادة النظر بالموازنة ، وفي سياقات التعيين  والتوظيف ، وتطبيق نهج الحوكمة ( الحكم الرشيد) ، وترشيد الانفاق والاستهلاك ، وعدم الاسراف في الرفاهية الوظيفية والفعاليات غير المجدية ، وتقليل المنافع والمصروفات للدرجات الخاصة ، فضلا عن معالجة الترهل الوظيفي المتفاقم ، وعدم اطلاق درجات وظيفية تثقل ميزانية الدولة ، والعمل على ترشيق الحكومة صوب (حكومة رشيقة ذكية) مع الاعتماد على الكفاءات الوطنية بدلا من الشركات الاستشارية الأجنبية والعربية التي تكلف العراق مبالغ باهضه ،  ومن الضروري تنشيط القطاع الخاص، وتوطين الوظائف فيه ، ومتابعة عمل وإنجاز المستثمرين واهمية المشاريع ، وتتبع غسيل الأموال ونشاط الجريمة المنظمة،  ومحاسبة سماسرة الفساد اللذين يروجون الى الاستثمارات الثانوية بدلا من المشاريع الضرورية وإعادة تأهيل البنى التحتية، ربما يكون الطرح صعب التنفيذ في ظل المحاصصة والفساد والاستئثار ، الا انه لم يكن مستحيلا كونه ضرورة استراتيجية ويمكن الشروع بذلك لإعادة تأهيل مؤسسات الدولة العراقية للعمل بشكل محترف.

صقر للدراسات

واقعية في الطرح والتحليل

‏02‏/05‏/2023‏ 02:09 م

[1] . العراق الأعلى عالميا في عدد موظفي القطاع العام | اقتصاد | الجزيرة نت (aljazeera.net)

[2] . حكومة العراق تصادق على موازنة 2023 (aa.com.tr)

[3] . هل تحصل موازنة 2023 على موافقة البرلمان العراقي رغم الانتقادات الموجهة لها؟ – 16.03.2023, سبوتنيك عربي (sputnikarabic.ae)

[4] . محمد السيد محسن : صراع القوى السياسية على موازنة سنة 2023 | البوصلة | 1/5/2023 – YouTube

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى